للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى أن قال:

وَيُذْكَرُ الْمَخْصُوصُ بَعْدُ مُبْتَدَا ... أَوْ خَبَرَ اسْمٍ لَيْسَ يَبْدُو أَبَدَا

(لَوْلَا أَنَّهُ كَانَ يَكْنِي الْأَسَامِيَ، وَيُسَمِّي الْكُنَى) "لولا" حرف امتناع الشيء لوجود غيره: أي لولا تكنيته الأسامي، وعكسها لكان بقيّة نعم الرجل.

وقوله: "يكني" بفتح أوله، وسكون ثانيه، وكسر ثالثه، من الكنية ثلاثيّا، ويجوز أن يكون بضم أوله، وفتح ثانيه، وتشديد النون المكسورة، من التكنية رباعيّا، ويجوز أيضا ضم أوله، وسكون ثانيه، وكسر ثالثه، من أكنى رباعيّا أيضًا. قال في "القاموس": كَنَى زيدًا أبا عمرو، وبأبي عمرو كُنْيَةً بالكسر والضمّ: سمّاه به، كأكناه، وكنّاه. وأبو فلان: كنيتُه، وكُنْوته، ويُكسران. انتهى.

ومعنى كلام ابن المبارك رحمه اللهُ تعالى أن بقيّة كان إذا روى عن إنسان معروف باسمه كناه ولم يسمه، وإذا روى عن معروف بكنيته سماه ولم يكنه، وهذا نوع من التدليس، وهو قبيح مذموم، لأنه يُلْبِس أمره على الناس، ويوهم أن ذلك الراوي ليس هو ذلك الضعيف؛ لتركه اسمه، أو كنيته التي عُرف بها، واشتهر بها، ويُسميه، أو يكنيه بما لا يُعرف به، فيُخرجه عن حاله المعروفة بالجرح المتفق عليه وعلى تركه، إلى حالة الجهالة التي لا تؤثر عند جماعة من العلماء، بل يحتجون بصاحبها، وتقتضي توقفًا عن الحكم بصحته، أو ضعفه عند الآخرين، وقد يَعتَضِد المجهول فيُحتج به، أو يُرَجَّح به غيره، أو يُستأنس به. وأقبح هذا النوع أن يَكنِي الضعيفَ، أو يسميه بكنية الثقة، أو باسمه؛ لاشتراكهما في ذلك، وشهرة الثقة به، فيوهم الاحتجاج به، فهذا النوع مما يَقدَح في فاعله (١). وسيأتي البحث عن التدليس مُستوفىً، حيث يشير إليه المصنّف، إن شاء الله تعالى.

ثم ذكر مثالًا لتدليس بقيّة، فقال:

(كَانَ) أي بقيّة (دَهْرًا) أي زمنا طويلًا (يُحَدِّثُنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْوُحَاظِيِّ) -بضم الواو، وتخفيف الحاء المهملة، وبالظاء المعجمة- وحَكَى صاحب "المطالع" وغيره فتح الواو أيضا، قال أبو عليّ الْغَسّانيّ: وُحَاظة بطن من حمير. قاله النوويّ.

وقال في "اللباب": الْوُحاظيّ: نسبة إلى وُحاظة بن سعد بن عوف بن عديّ بن


(١) راجع "إكمال المعلم" ١/ ١٥٦ و "شرح النوويّ على صحيح مسلم" ١/ ١١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>