للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعل عفّان هنا، وإلا فلا يكون لها حكم الغيبة، بل تكون تارةً واجبة، وتارة مستحبّة بحسب الدواعي والحاجة.

وتفسير الغيبة بما ذُكر هو الذي جاء عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فيما أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "أتدرون ما الغيبة؟ "، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذكرك أخاك بما يكره"، قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول، فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته".

وقال القاضي عياض رحمه اللهُ تعالى: ما حاصله: مثل هذا ليس بغيبة، بل لو لم يَحسُن مقصده، وقصد محض التنقّص والعيب، لا بيان الحال لأجل الحديث لكان غيبةً، وكذلك لو لم يكن المتكلّم من أهل هذا الشأن، ولا ممن يُلتفَتُ إلى قوله فيه لما جاز له ذكر ذلك، ولكان غيبة، وهذا كالشاهد ليس تجريحه غيبةً، ولو عابه قائل بما جُرح به على طريق المشاتمة والتنقّص له أُدّب له، وكانت غيبةً. وقد قيل ليحيى بن سعيد: أما تخشى أن يكون هؤلاء الذين تركت حديثهم خُصماءك عند الله؟ فقال: لأن يكونوا خُصمائي أحبّ إليّ من أن يكون خصمي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول: "لِمَ حدّثتَ عنّي حديثًا ترى أنه كذب". انتهى كلام القاضي (١). وسأبيّن المواضع التي تباح فيها الغيبة قريبًا، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

قال المصنف رحمه اللهُ تعالى بالسند المتصل إليه أول الكتاب:

٩٢ - (وحَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الَّذِي يَرْوِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ شُعْبَةَ الَّذِي رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، فَقَالَ: لَيْسَ بِثِقَةٍ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ، فَقَالَ: لَيْسَ بثِقَةٍ، وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ هَوُلَاءِ الْخَمْسَةِ، فَقَالَ: لَيْسُوا بثِقَةٍ فِي حَدِيثِهِمْ، وَسَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ آخَرَ، نَسِيتُ اسْمَهُ، فَقَالَ: هَلْ رَأَيْتَهُ فِي كُتُبِي؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: لَوْ كَانَ ثِقَةً لَرَأَيْتَهُ فِي كُتُبِي).

رجال هذا الإسناد: اثنان:

١ - (أبو جعفر الدارميّ) هو: أحمد بن سعيد بن صخر السرخسي، ثم النيسابوري، سرد الخطيب نسبه إلى دارم، وقال: كان أحد المذكورين بالفقه، ومعرفة الحديث، والحفظ له. رَوَى عن النضر بن شُميل، وأبي عامر الْعَقَدي، وعلي بن


(١) "إكمال المعلم" ١/ ١٥٩ - ١٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>