للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففرضًا، أو ندبًا، فندبًا، أو حرامًا فحرامًا، أو نحو ذلك، وإنما عبّر باللزوم تغليبًا لجانبه، أو المعنى: يثبُتُ به العمل. والله تعالى أعلم.

(ثُمَّ أَدْخَلْتَ فِيهِ الشَّرْطَ بَعْدُ) هو من الظروف المبنيّة على الضمّ؛ لقطعها عن الإضافة، ونيّة معناها: أي بعد أن أثبتّ لزوم العمل به. ثم بيّن الشرط الذي أدخله بقوله (فَقُلْتَ) هو من عطف المفصّل على المجمل، كما في قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [البقرة: ٣٦]، وقوله: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص: ١٥]، وقوله: {وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي} الآية [هود: ٤٥] (حَتَّى نَعْلَمَ أَنَّهُمَا) أي الراوي المعنعن والمعنعن عنه (قَدْ كَانَا الْتَقَيَا مَرَّةً فَصَاعِدًا) أي فما زاد من الزمن، وقد تقدّم تمام البحث فيها، فلا تنسَ (أَوْ) تقدّم أنها بمعنى الواو: أي و (سَمِعَ) المعنعن بالكسر (مِنْهُ) أي من المعنعن عنه بالفتح. والتنوين في قوله: (شَيْئًا) للتقليل: أي ولو كان المسموع قليلًا.

(فَهَلْ تَجِدُ هَذَا الشَّرْطَ الَّذِي اشْتَرَطْتَهُ) من لزوم العلم بلقاء أحدهما الآخر، وسماعه منه (عَنْ أَحَدٍ) من أهل العلم. وأشار بقوله: (يَلْزَمُ قَوْلُهُ) إلى أنه لا بدّ أن يكون ممن يلزم قوله؛ لكونه حجة في العلم، فإن إثبات قاعدة من قواعد الشرع، أو إدخال شرط أو قيد في الأمور الشرعيّة لا بدّ أن يكون صادرًا ممن له قدمٌ راسخ في العلم، ونظر ثاقبٌ في أدلة الشرع، وخبرة طويلة في الاستنباط منها، فليس كلّ من يدّعي العلم يُقبل قوله، فللحروب رجال، وللثريد رجال، وقال الإمام ابن معين رحمه الله تعالى:

وَلِلْحَدِيثِ رِجَالٌ يُعْرَفُونَ بِهِ ... وَلِلدَّوَاوِينِ حُسَّابٌ وَكُتَّابُ

وقال بعضهم:

وَلَيْسَ كُلُّ خِلَافٍ جَاءَ مُعْتَبَرًا ... إِلَّا خِلَافٌ لَهُ حَظٌّ مِنَ النَّظَرِ

وقلت في "ألفية العلل" عند الكلام على "فنّ العلل"، والعلماء العارفين به:

اعْلَمْ هَدَاكَ اللهُ أَنَّ الْفَنَّ ذَا ... أَغْمَضُ أَنْوَاعِ الْحَدِيثِ مَأْخَذَا

لِذَاكَ مَا سَلَكَهُ كُلُّ أَحَدْ ... بَلْ خَصَّ أَقْوَامًا وُعَاةً كَالْعَمَدْ

مِنْ أَهْلِ خِبْرَةٍ وَفَهْمٍ ثَاقِبِ ... وَالذَّوْقِ وَالْعَوْمِ وَفِكْرٍ صَائِبِ

إلى أن قلت:

فَلَيْسَ كُلُّ قَارِىٍ يُحْسِنُهُ ... وَلَيْسَ كُلُّ كَاتِبٍ يُتْقِنُهُ

وَإِنَّمَا لَهُ رِجَالٌ مَهَرَهْ ... قَدْ خُلِقُوا لَهُ حُمَاةٌ بَرَرهْ

<<  <  ج: ص:  >  >>