للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشيء، والمداومة عليه، كما تقول: امشِ على هذا الأمر، وسِرْ على هذا المنوال، ومنه قوله تعالى: {وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ} الآية [ص: ٦]، المراد بالانطلاق ليس الذهاب الحسيّ، بل انطلاق الألسنة بالكلام، ولهذا أعربوا "أن" تفسيريّةً، وهي إنما تأتي بعد جملة فيها معنى القول، كقوله تعالى: {فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ} الآية [المؤمنون: ٢٧]، والمراد بالمشي ليس المشي على الأقدام، بل الاستمرار، والدوام: أي دُوموا على عبادة أصنامكم، واحبسوا أنفسكم على ذلك.

[الثاني]: أنه ليس المراد الطلب حقيقة، وإنما المراد الخبر، وعُبّر عنه بصيغة الطلب، كما في قوله تعالى: {وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ} [العنكبوت: ١٢]، و {فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدًّا} [مريم: ٧٥].

و"جرّا" مصدر جرّه يجُرّه: إذا سحَبه، ولكن ليس المراد الجرّ الحسيّ، بل المراد التعميم، كما استُعمل السحب بهذا المعنى، ألا ترى أنه يقال: هذا الحكم منسحبٌ على كذا: أي شاملٌ له، فإذا قيل: كان ذلك عام كذا، وهَلُمّ جرّا، فكأنه قيل: واستمرّ ذلك في بقيّة الأعوام استمرارًا، أو استمرّ مُستمِرّا على الحال المؤكِّدة، وذلك ماش في جميع الصور. وهذا هو الذي يفهمه الناس من هذا الكلام، وبهذا التأويل ارتفع إشكال العطف، فإن هلمّ حينئذ خبر، وإشكال إفراد الضمير، إذ فاعل هلُمّ مفرد أبدًا، كما تقول: واستمرّ ذلك، أو واستمرّ ما ذكرته. انتهى. ما ذكره ابن عابدين في رسالته "الفوائد العجيبة" (١).

(وَنَقَلَا) أي كلّ من أبي عثمان، وأبي رافع (عَنْهُمُ) أي عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (الْأَخْبَارَ) بفتح الهمزة جمع خبر (حَتَّى نَزَلَا إِلَى مِثْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَذَوِيهِمَا) أي وأصحابهما، فـ "ذوي" جمع "ذي" التي بمعنى صاحب. قال النوويّ في "شرحه": فيه إضافة "ذي" إلى غير الأجناس، والمعروف عند أهل العربيّة أنها لا تُستعمل إلا مضافة إلى الأجناس، كذي مال، وقد جاء في الحديث وغيره من كلام العرب إضافة أحرف منها إلى المفردات، كما في الحديث: "وتَصِلُ ذا رحمك"، وكقولهم: ذو يَزَن، وذو نُواس، وأشباهها، قالوا: هذا كلّه مقدَّر فيه الانفصال، فتقدير ذي رحمك الذي له معك رحم. انتهى (٢).


(١) راجع "الفوائد العجيبة في إعراب الكلمات الغريبة" ٢/ ٣٣٠ - ٣٣١ للعلامة محمد عابدين رَحِمَهُ اللهُ تعالى ضمن مجموعة رسائل ابن عابدين.
(٢) "شرح مسلم للنوويّ" ١/ ١٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>