أبو يعقوب إسحاق بن محمد بن أحمد النَخَعِي، أخبرنا العَلاء بن الفَضْل بن أبي السَّوِيَّة، أخبرني أبو الخَشْنَاء عَبَّاد بن كُسَيْب، عن أبي عُتْوَارَة الخُنَاعِي، عن سِعْر بن سَوَادَة العَامِري، قال:«كنت عَسِيفًا لِعَقِيْلَةٍ مِنْ عَقَائِل العَرَب أركَبُ لها الصَّعْبَ والذَّلُول، أُتْهِمُ مَرَّة، وأُنجِدُ أخرى، لا ألِيْقُ مُطَّردًا في مَتجَرٍ مِنْ المَتَاجِر، يدفعني السَّهْل إلى الحَزْن، والحَزْن إلى السَهل، فَقَدِمتُ مِنْ الشَّام بخُرثَةٍ وأثاث، أُرِيدُ به كبَّة العِراق ودَهْمَاء المَوْسِم، فدُفِعتُ إلى مكةَ بِلَيْل مُسْدِفٍ، فَحَطَطَتُ عن رِكَابِي، وأَصْلَحْتُ مِنْ شأني، فلما أضاءَ لي جِلبابُ الفَجْر، رأيتُ قِبابًا تُنَاغِي شَعَفَ الجِبال، مُجَلَّلَةً بأَنْطَاع الطَّائِف، وإذا بُدْنٌ تُنْحَر، وأُخَرُ تُسَاق، وإذا طُهَاةٌ وحَثَثَةٌ على الطُّهَاةِ أن أَعْجِلُوا، وإذا رَجُل قَائِم على نشْزٍ من الأرض يُنَادِي: يا وَفْدَ اللهِ، الغَدَاء، وآخَر على مَدْرَجَةِ الطَّريق يُنادِي: ألَا مَنْ طَعِمَ فَلْيَرُحْ للعَشَاء، فَبَهَرَني ما رأيتُ، فدفعتُ إلى عَمِيدِ القَوم، فإذا هو جَالسٌ على عَرْشٍ له أَبنُوْس مُتَّزِرًا بِبُرْدَةٍ مُرْتَدِيًا بيُمْنَة، له جُمَّةٌ فَيْنَانَةٌ قَدْ لَاثَ عَليها عِمَامةَ خَزٍّ سَوْدَاء، وكأني أنظر إلى أَطْرافِ جُمَّتِه كالعَنَاقِيد مِنْ تَحْت العِمَامَة، وكأنَّ الشِّعْرَى تَطْلُعُ في وَجْهِه، وإذا خَوادِمُ حَواسِرُ عَنْ أَذْرُعِهِم ومُشَمِّرُون عن سُوقِهِم، وإذا مشايخ جِلَّةٌ حُفُوفٌ بِعَرْشِه، ما يَفِيضُ أَحَدٌ مِنهم بِكَلِمَة، وقد كان نَمَى إِلَيَّ عن أحبار الشَّام: أنَّ النبيَّ الأُمِّيَّ ﷺ هذا أَوَانُ توَكُّفِه، فقلت: عَلَّهُ، وعَسَيْتُ أن أَفْقَهَ به، فَدَنوتُ فقلت: السَّلام عَلَيْكَ يا رسُولَ الله، فقال: لَسْتُ به، وكَأن قَد، ولتُبشَّرَنَّ به، فقلت لِبَعْض المَشْيَخَة: مَنْ هَذا؟ قالوا: هذا أبو نَضْلَة هَاشِم بنُ عَبد مَنَاف، قلت: هذا والله الشَّرَفُ والسَّنَاء الذي لا يُنْكَر»(١).
(١٥٥٢) أخبرنا الحَسَن بن أبي بكر، أخبرنا عبد الله بن إسحاق
(١) أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٢٠/ ٤١٣) من طريق عباد بن كسيب، به.