للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أو بنَصْبه الدلالة عليه؛ فغير جائز لأحد القِيلُ فيه برأيه، بل القائلُ في ذلك برأيه، وإن أصاب عين الحق فيه؛ فمخطىء في فِعله بقيله فيه برأيه، لأن إصابته ليست إصابة مُوقن أنه محقٌّ، وانما هو إصابة خارصٍ وظانٍّ، والقائل في دين الله بالظنّ؛ قائلٌ على الله ما لم يعلم،

وقد حرَّم الله جلّ ثناؤه ذلك في كتابه على عباده، فقال: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: ٣٣]. فالقائل في تأويل كتاب الله الذي لا يُدْرَكُ علمُه إلا ببيانِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الذي جعل الله إليه بيانَه؛ قائلٌ بما لا يعلمُ، وإن وافق قيلُه ذلك في تأويله ما أراد الله به من معناه، لأن القائل فيه بغير علم؛ قائلٌ على الله ما لا علم له به، وهذا هو معنى الخبر" (١).

وقال ابن الأنباري في بيان الحديث الأول - (من قال في القرآن بغير علم؛ فليتبوأ مقعده من النار) -: "له معنيان:

أحدهما: من قال في مشكل القرآن بما لا يعرف من مذاهب الأوائل من الصحابة والتابعين فهو متعرض لسخط الله تعالى.

والآخر: -وهو الأصح- (من قال في القرآن قولاً يعلم أن الحق غيرُه فليتبوأ مقعده من النار) ". وقال في بيان الحديث الثاني - (من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ) -: "حمله بعض أهل العلم على أن الرأي معني به الهوى، فمن قال في القرآن قولاً يوافق هواه، فلم يأخذه عن أئمة السلف، وأصاب، فقد أخطأ، لحكمه على القرآن بما لا يعرف أصله، ولا يقف على مذاهب أهل الأثر والنقل فيه" (٢).

وقال البيهقي -رحمه الله-:"الرأي الذي يغلب على القلب من غير دليل قام عليه؛ فمثل هذا الرأي لا يجوز الحكم به في النوازل، فكذلك لا يجوز تفسير القرآن به، وأما الرأي الذي يسنده برهان؛ فالحكم به في النوازل جائز، وكذلك تفسير القرآن به جائز" (٣).


(١) تفسير الطبري ١: ٧٢ - ٧٣.
(٢) النقل عن ابن الأنباري بواسطة: (الإتقان) للسيوطي ٢: ٤٤٧ - ٤٤٨.
(٣) شعب الإيمان ٢: ٤٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>