للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أمر به، فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار، كان وافق حكمه الصواب في نفس الأمر، لكن يكون أخف جرمًا ممن أخطأ، والله أعلم. وهكذا سمى الله القَذَفة كاذبين، فقال: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} [النور: ١٣]، فالقاذف كاذب، ولو كان قد قذف من زنى في نفس الأمر؛ لأنه أخبر بما لا يحل له الإخبار به، ولو كان أخبر بما يعلم؛ لأنه تكلف ما لا علم له به، والله أعلم. ولهذا تحرَّج جماعةٌ من السلف عن

تفسير ما لا علم لهم به" (١).

وقال ابن النقيب: "جملة ما تحصل في معنى حديث التفسير بالرأي خمسة أقوال:

أحدها: التفسير من غير حصول العلوم التي يجوز معها التفسير.

الثاني: تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله.

الثالث: التفسير المقرر للمذهب الفاسد، بأن يجعل المذهب أصلاً، والتفسير تابعاً، فيرد إليه بأي طريق أمكن وإن كان ضعيفاً.

الرابع: التفسير بأن مراد الله كذا على القطع من غير دليل.

الخامس: التفسير بالاستحسان والهوى" (٢).

فالحاصل أن هذا الحديث كأنه الأصل في مصطلح (التفسير بالرأي)، والمراد به: الكلام في بيان معنى كلام الله تعالى بغير النقل المجرد.

ولذا نجد عددا من السلف الذين ألفوا في التفسير تقيدوا بالمأثور، واقتصروا على النقل المجرد، كالإمامين عبد الرزاق الصنعاني، وابن أبي حاتم الرازي.

والتفسير بالرأي (٣) -كما ذكر العلماء، وأشارت إليه النقول السابقة- ينقسم إلى قسمين:


(١) مجموع الفتاوى ١٣: ٣٧٠ - ٣٧١.
(٢) نقله عنه السيوطي في (الإتقان) ٢: ٤٥٤.
(٣) ينظر للمزيد: (البرهان) للزركشي ٢: ١٦١ - ١٦٤ (التيسير في قواعد التفسير) للكافيجي ص ١٤٠ وما بعدها، (الإتقان) للسيوطي ٢: ٤٤٥ - ٤٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>