للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عما تعبدنا بمعرفته من النظر في القرآن، واستنباط الأحكام، كما قال تعالى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: ٨٣] ولو صح ما ذهب إليه لم يعلم شيء بالاستنباط، ولما فهم الأكثر من كتاب الله شيئاً، كان صح الحديث؛ فتأويله: أن من تكلم في القرآن بمجرد رأيه، ولم يعرج على سوى لفظه، وأصاب الحق؛ فقد أخطأ الطريق، وإصابته اتفاق، إذ الغرض أنه مجرد رأي لا شاهد له" (١).

وذكر ابن جزي هذا الحديث ثم قال: "وتأولوا -يعني المفسرين- الحديثَ بأنه فيمن تكلم في القرآن بغير علم ولا أدوات لا فيمن تكلم فيما تقتضيه أدوات العلوم، ونظر في أقوال العلماء المتقدمين، فإن هذا لم يقل في القران برأيه" (٢).

وقال النووي -رحمه الله-:"المفسرون برأيهم من غير دليل صحيح؛ أقسام:

١ - منهم من يحتج به على تصحيح مذهبه وتقوية خاطره، مع أنه لا يغلب على ظنه أن ذلك هو المراد بالآية، وإنما يقصد الظهور على خصمه.

٢ - ومنهم من يقصد الدعاء إلى خير، ويحتج بآية من غير أن تظهر له دلالة لما قاله.

٣ - ومنهم من يفسر ألفاظه العربية من غير وقوف على معانيها عند أهلها، وهي مما لا يؤخذ إلا بالسماع من أهل العربية وأهل التفسير .. ولا يكفي مع ذلك معرفة العربية وحدها، بل لابد معها من معرفة ما قاله أهل التفسير فيها، فقد يكونون مجتمعين على ترك الظاهر، أو على إرادة الخصوص، أو الإضمار، وغير ذلك مما هو خلاف الظاهر، وكما إذا كان اللفظ مشتركا في معان فعلم في موضع أن المراد أحد المعاني، ثم فسر كل ما جاء به؛ فهذا كله تفسير بالرأي، وهو حرام، والله أعلم" (٣).

وقال ابن تيمية -رحمه الله- "فأما تفسير القرآن بمجرد الرأي فحرام .. -وساق الأدلة السابقة، ثم قال:- فمن قال في القرآن برأيه فقد تكلف ما لا علم له به، وسلك غير ما


(١) النكت والعيون ١: ٣٤.
(٢) التسهيل لعلوم التنزيل ١: ١٣.
(٣) التبيان في آداب حملة القرآن ص ١٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>