وهذا النوع يكون تارة مع العلم كالذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته، وهو يعلم أن ليس المراد بالآية ذلك، ولكن يلبس على خصمه.
وتارة يكون مع الجهل، وذلك إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي يوافق غرضه، ويرجح ذلك الجانب برأيه وهواه، فيكون قد فسر برأيه، أي رأيُه حَمَله على ذلك التفسير، ولولا رأيُه لما كان يترجح عنده ذلك الوجه.
وتارة يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلا من القرآن، ويستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به، كمن يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي فيقول: قال الله تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى}[النازعات: ١٧] ويشير إلى قلبه ويومىء إلى أنه المراد بفرعون. وهذا الجنس قد يستعمله بعض الوعاظ في المقاصد الصحيحة تحسينا للكلام وترغيبا للمستمع، وهو ممنوع.
وقد تستعمله الباطنية في المقاصد الفاسدة لتغرير الناس، ودعوتهم إلى مذهبهم الباطل، فينزلون القرآن على وفق رأيهم ومذهبهم على أمور يعلمون قطعا أنها غير مرادة.
فهذه الفنون؛ أحد وجهي المنع من التفسير بالرأي.
الوجه الثاني: أن يسارع إلى تفسير القرآن بظاهر العربية، من غير استظهار بالسماع والنقل فيما يتعلق بغرائب القرآن، وما فيه من الألفاظ المبهمة والمبدلة، وما فيه من الاختصار والحذف والإضمار والتقديم والتأخير، فمن لم يحكم ظاهر التفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرد فهم العربية؛ أكثر غلطه، ودخل في زمرة من فسَّر القرآن بالرأي. فالنقلُ والسماعُ لابدَّ له منه في ظاهر التفسير أولاً ليتقيَ به مواضعَ الغلط، ثم بعد ذلك يتسع التفهم والاستنباط".
ثم قال: "وما عدا هذين الوجهين فلا يتطرق النهي إليه" (١).
وقال الماوردي -تعليقا على حديث جندب -رضي الله عنه-: (من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ) -: "قد حمل بعض المتورعة هذا الحديث على ظاهره وامتنع أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده ولو صحبتها الشواهد، ولم يعارض شواهدها نص صريح، وهذا عدول