للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان جلة من السلف كسعيد بن المسيب، وعامر الشعبي، وغيرهما؛ يعظمون تفسير القرآن، ويتوقفون عنه تورعا واحتياطا لأنفسهم، مع إدراكهم وتقدمهم" (١).

وقال ابن الأثير -رحمه الله-: "النهي عن تفسير القرآن بالرأي لا يخلو إما أن يكون المراد به: الاقتصار على النقل والمسموع، وترك الاستنباط، أو المراد به: أمر آخر.

وباطل أن يكون المراد به: ألا يتكلم أحد في القرآن إلا بما سمعه (٢)، فإن الصحابة -رضي الله عنه- قد فسروا القرآن، واختلفوا في تفسيره على وجوه، وليس كل ما قالوه سمعوه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا لابن عباس فقال: (اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)، فإن كان التأويل مسموعا كالتنزيل؛ فما فائدة تخصيصه بذلك؟!

وإنما النهي يحمل على أحد وجهين:

أحدهما: أن يكون له في الشيء رأي، وإليه ميل من طبعه وهواه، فيتأول القرآن على وفق رأيه وهواه؛ ليحتج على تصحيح غرضه، ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى.


(١) المحرر الوجيز ١: ٤١.
(٢) ويؤيد هذا: ما جاء عن أبي جحيفة -رضي الله عنه- قال: قلت لعلي -رضي الله عنه-: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه الا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن، وما في هذه الصحيفة، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر. أخرجه البخاري رقم (٣٠٤٧) في الجهاد والسير: باب فكاك الأسير، وفي مواضع أخرى.
وقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله في (أضواء البيان) ٢: ٢٥٨ - بعد كلامه على معنى قوله تعالى: {أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ (١٠) جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ} [ص: ١٠، ١١]، وقد ذكره استطرادا في سورة الحجر - "فالآية الكريمة يفهم منها ما ذكرنا، ومعلوم أنها لم يفسرها بذلك أحد من العلماء .. ولكن كتاب الله لا تزال تظهر غرائبه، وعجائبه متجددة على الليالي والأيام، ففي كل حين تفهم منه أشياء لم تكن مفهومة من قبل، ويدل لذلك حديث أبي جحيفة .. -وساق الحديث، ثم قال:- فقوله -رضي الله عنه-: إلا فهما يعطيه الله رجلا في كتاب الله؛ يدل على أن فهم كتاب الله تتجدد به العلوم والمعارف التي لم تكن عند عامة الناس".

<<  <  ج: ص:  >  >>