للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي سَائِرِ بَدَنِهِ، وَخَصَّ الرَّأَسَ بِذَلِكَ؛ لِمَا كَانَ عَلَيْهِمْ مِنَ الشَّعُورِ وَمُعَانَاتِهِمْ لَهَا. وَمَنْ شَدَّدَ قِيلَ: الْمَعْنَى: جَامَع وَأَوجَبَ الْغُسْلَ عَلَى غَيْرِهِ وَاغْتَسَلَ هُوَ (٣٨). قَالَ فِي الْفَائِقِ (٣٩): يُقَالُ: غَسَّلَ الْمَرْأة وَغَسَلَهَا: إِذَا جَامَعَهَا، وَمِنْهُ: فَحْلٌ غُسَلَةٌ (٤٠) أَيْ: جَامَعَ مَخَافَةَ أَنْ يَرَى فِي طَرِيقِهِ مَا يُحَرِّكُ مِنْهُ (٤١)، وَغَسَلَ بالتَّشْدِيدِ (٤٢) بِالتَّثْلِيْثِ. وَقِيلَ اغْتَسَلَ بَعْدَ الْجِمَاعِ غُسْلَ الْجُمُعَةِ. وَقِيلَ: غَسَّلَ (٤٣): أيْ أَسْبَغَ الْوُضُوءَ وَأكْمَلَهُ، ثُمَّ اغْتَسَلَ بَعْدَ ذَلِكَ لِلصَّلَاةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَاحِدٌ، وَغَايرَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ، كَمَا قَالَ: "بَكَّرَ وَابْتَكَر وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ" (٤٤). وَيُرْوَى (٤٥) "عَسَّلَ" مُشَدَّدًا بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ، أَيْ: ذَاقَ الْعُسَيْلَةَ، وَهِى: الجِمَاعُ (٤٦).

قَوْلُهُ: "بَكَّرَ وَابْتَكَرَ" جَاءَ فِي أَوَّلِ الْيَوْم، مِنْ قَوْلِهِمْ: بُكْرَةٌ وَغُدْوَةٌ. يُقَالُ: بَكَّرَ تَبْكِيرَ الْغُرَابِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَيْقِظُ أَوَّلَ النَّهَارِ "وَابتكَرَ" قِيلَ مَعْنَاهُ: أَخَذَ أَوَّلَ الثَّوَابِ، وَسَبَقَ إِلَيْهِ، مَأَخُوذٌ مِنْ بَاكُورَةِ الْفَاكِهَةِ وَهِىَ أَوَّلُ مَا يَنْبُعُ مِنْهَا، يُقَالُ: ابْتَكَرَ إِذَا جَنَى الْبَاكُورَةَ (٤٧). وَيُقَالُ: بَل الْمَعْنَى وَاحِدٌ فِي اْلإبْكَارِ إِلَى الْجُمُعَةِ، جَاءَ بِلَفْظَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ (٤٨). قَالَ اْلأزهَرِىُّ (٤٩): بَكَرَ يُشَدَّدُ وَيُخَفَّفُ، فَمَنْ خَفَّفَ فَمَعْنَاهُ: خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بَاكِرًا، وَمَنْ شَدَّدَ: فَمَعْنَاهُ: أَسْرَعَ إِلِى الصَّلَاةِ وَبَادَرَ إِلَيْهَا. وَقَالَ فِي الشَّامِلِ (٥٠) فِي

ابتكَرَ تَأْوِيلَان: أَحَدُهُمَا: حَضَرَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ، مُشْتَقٌ مِنْ بَاكُورَةِ الثَّمَرَةِ، يُرَادُ أَوَّلُهَا. وَالثَّانِى: أَنَّهُ ابْتَكَرَ الْعِبَادَةَ مَعَ بُكُورِهِ فِيهِ.

قَوْلُهُ: "لَا يُشَبِّكْ أَصَابِعَهُ" (٥١) أَيْ: يُدْخِلْ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ؛ لأنَّهُ يَلْهُو بِذَلِكَ، وَيَشْتَغِلُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ.

قَوْلُهُ: "السُّبْحَةُ" (٥٢) هِىَ النَّافِلَةُ، يُقَالُ: قَضَى فُلَانٌ سُبْحَتَهُ، أَيْ: نَافِلَتَهُ الرَّاتِبَةَ (٥٣).

قَوْلُهُ: "أنْصَتَ" (٥٤) الإِنْصَاتُ: السُّكُوتُ مَعَ الاسْتِمَاعِ، يُقَالُ: نَصَتَ وَأَنْصَتَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ (٥٥).

قَوْلُهُ (٥٦): "لَمْ تَشْهَدْ مَعَنَا الْجُمُعَةَ" أَيْ: لَمْ تَحْضُرْ. وَالشُّهُودُ: الْحُضُورُ، يُقَالُ: شَهِدَهُ


(٣٨) غريب الخطابى ١/ ٣٣٠ والنهاية ٣/ ٣٦٧.
(٣٩) ٣/ ٦٦.
(٤٠) ع: ومنه غسل: تحريف والمثبت من خ والفائق.
(٤١) ع: أو والمثبت من ح والفائق.
(٤٢) في الفائق: بالغ في غسل الأعضاء على الإسباغ والتثليث.
(٤٣) خ: اغتسل.
(٤٤) قال الخطابى: وقال الأثرم: هما لفظان بمعنى واحد كررا للتأكيد ألَّا تراه يقول في هذا الحديث "ومشى ولم يركب" وفي خبر آخر: "واسمع وأنصت" وهذا كله واحد. غريب الحديث ١/ ٣٣٠ وانظر النهاية ٣/ ٣٦٧ وتهذيب اللغة ٨/ ٣٥.
(٤٥) ع: وروى.
(٤٦) قال القلعى في اللفظ المستغرب ٥٦: ورواه بعض الفقهاء: بالعين المهملة وأراد به الجماع شبه لذته بلذة العسل وليس بمشهور.
(٤٧) الغريبين ١/ ٢٠١ وغريب الخطابى ١/ ٣٣٠ والفائق ٣/ ٦٧.
(٤٨) ع - في، قال ابن الأنبارى: والذى نذهب إليه في تكرير هاتين اللفظتين: أن المراد منه المبالغة والزيادة في التوكيد؛ لأنّ العرب إذا بالغت اشتقت من اللفظة الأولى لفظة على غير بنائها، ثم أتبعوها إعرابها، فيقولون: جاد مجد، وليل لائل وفي الغريبين ١/ ٢٠١ ويؤيد صحة هذا المذهب أن بكر وبكر وابتكر وأبكر بمعنى واحد وانظر فعلت وأفعلت للزجاج ٨ وشرح القصائد السبع ٢٥٠ والنهاية ١/ ١٤٨ وتهذيب اللغة ١٠/ ٢٢٦.
(٤٩) في تهذيب اللغة ١٠/ ٢٢٦.
(٥٠) .........................
(٥١) في المهذب ١/ ١١٤: ولا يشبك بين أصابعه.
(٥٢) في المهذب ١/ ١١٥: روى عن ثعلبة بن أبي مالك قال: قعود الإمام يقطع السبحة وكلامه يقطع الكلام.
(٥٣) الصحاح (سبح).
(٥٤) في المهذب ١/ ١١٥: وإذا بدأ بالخطبة أنصت.
(٥٥) في المصباح (نصت).
(٥٦) في المهذب ١/ ١١٥: دخل ابن مسعود (ر) والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فجلس إلى أبي، فسأله عن شيىء فلم يرد عليه، فسكت حتى صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ما منعك أن ترد على فقال: إنك لم تشهد معنا الجمعة قال: ولم قال: لأنك تكلمت والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب. . . إلخ.