أَحَدهَا: أَن تَكونَ (مَا) مَصدَرِيَّةً أَي: وَمِن قَبل تَفرِيطكم.قَالَ الزَّمَخشَرِيّ: عَلَى أَنَّ مَحَلَّ المَصدَرِ الرَّفع عَلَى الِابتِدَاءِ، وَخَبَره الظَّرف، وَهوَ (وَمِن قَبل) وَمَعنَاه: وَوَقَعَ مِن قَبل تَفرِيطكم فِي يوسفَ.وَقَالَ ابن عَطِيَّةَ: وَلَا يَجوز أَن يَكونَ قَوله: (مِن قبل)، متعلقًا بـ (ما فَرَّطتم)، وَإِنَّمَا تَكون عَلَى هَذَا مَصدَرِيَّةً، التَّقدِير: مِن قَبل تَفرِيطكم فِي يوسفَ وَاقِعٌ وَمستَقِرٌّ.وَبِهَذَا القَدرِ يَتَعَلَّق قَوله مِن قَبل انتَهَى.وَهَذَا وَقَول الزَّمَخشَرِيِّ رَاجِعٌ إِلَى مَعنَى وَاحِدٍ، وَهوَ: أنَّ (مَا فَرَّطتم): يقَدَّر بِمَصدَرٍ مَرفوعٍ بالِابتِدَاءِ، و (من قَبل): فِي مَوضِع الَخَبَرِ، وَذَهلًا عَن قَاعِدَةٍ عَرَبِيَّةٍ، وَحَقَّ لَهمَا أَن يَذهَلَا، وَهَوَ أَنَّ هَذِهِ الظّروفَ الَّتِي هِيَ غَايَاتٌ إِذَا ثَبَتَت .. لَا تَقَع أَخبَارًا لِلمبتَدَأِ، جرَّت أَو لَم تجرَّ، تَقول: (يَوم السَّبتِ مبَارَكٌ وَالسَّفَر بَعدَه)، وَلَا يجوز: (والسفر بعد).وَعَلَى مَا ذَكَرَاه .. يكون (تفريطكم): مبتدأ، و (من قَبل) خَبَرٌ، وَهوَ مَبنِيٌّ، وَذَلِكَ لَا يَجوز، وَهَذَا مقَرَّرٌ فِي عِلمِ العَرَبِيَّةِ.وَلِهَذَا ذَهَبَ أبو عَلِيٍّ إِلَى أَنَّ المَصدَرَ مَرفوعٌ بالابتداء، وفي يوسفَ هوَ الخَبَر أَي: كَائِنٌ أَو مستَقِرٌّ فِي يوسفَ. وَالظَّاهِر أَنَّ فِي يوسفَ مَعمولٌ لِقَولِهِ: فَرَّطتم، لَا أَنَّه فِي مَوضِعِ خَبَرٍ.وَأَجَازَ الزَّمَخشَرِيّ وَابن عَطِيَّةَ: أَن تَكونَ مَا مَصدَرِيَّةً، وَالَمَصدَر المَسبوك فِي مَوضِعِ نَصبٍ، وَالتَّقدِير: أَلَم تَعلَموا أَخذَ أَبِيكم عَلَيكم مَوثِقًا مِن قَبل وَتَفرِيطكم فِي يوسفَ.وَقَدَّرَه الزَّمَخشَرِيّ: وَتَفرِيطكم مِن قَبل فِي يوسفَ. وَهَذَا الَّذِي ذَهَبَا إِلَيهِ .. لَيسَ بجَيِّدٍ، لِأَنَّ فِيهِ الفَصلَ بِالجَارِّ وَالمَجرورِ بَينَ حَرفِ العَطفِ الَّذِي هوَ عَلَى حَرفٍ وَاحِدٍ، وَبَينَ المَعطوفِ، فَصَارَ نَظِيرَ: (ضَرَبت زَيدًا وَبِسَيفٍ عَمرًا).وَقَد زَعَمَ أَبو عَلِيٍّ الفَارِسِيّ: أَنَّه لَا يَجوز ذَلِكَ إِلَّا فِي ضَرورَةِ الشِّعرِ.وَأَمَّا تَقدِير الزَّمَخشَرِيِّ: (وَتَفرِيطكم مِن قَبل فِي يوسفَ) .. فَلَا يَجوز؛ لِأَنَّ فِيهِ تَقدِيم مَعمولِ المَصدَرِ المنحَلِّ لِحَرفٍ مَصدَرِيٍّ وَالفِعلِ عَلَيهِ، وَهوَ لَا يَجوز.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute