فذهبت مَثَلًا، ثم إنه خرج يومًا وعليه ثيابٌ وحُلي فاستطِيرَ، ففُقِدَ زَمانًا، فضرب في الآفاق فلم يوجد، وأتى على ذلك ما شاء الله، ثم وجده مالك وعقيل ابنا فارج، رجلان من بلْقَيْن كانا يتوجَّهان إلى الملك بهدايا وتحفٍ، فبينما هما نازلان في بعض أودِيةِ السَّمَاوة انتهى إليهما عمرو بن عدي، وقد عفَتْ أظْفَارَهُ وشعره، فَقَالا له: مَنْ أنت؟ قَال: ابنُ التَّنُوخية، فلَهَيَا عنه وقَالا لجارية معهما: أطعمينا، فأطعمتهما، فأشار عمرو إلى الجارية أن أطعميني، فأطعمته، ثم سقتهما، فَقَال عمرو: اسقِنِي، فَقَالت الجارية: لا تُطْعم العبدَ الكُرَاع فيطْمَع في الذِّراعِ، فأرسلتها مَثَلًا. ثم إنهما حَمَلَاهُ إلى جذيمة فعرفه، ونظر إلى فتى ما شاء من فتى، فضمَّه وقَبِلَهُ وقَال لهما: حكَّمْتُكما، فسألاه منادمته، فلم يزالا نديميه حتى فرَّقَ الموت بينهم. وبعث عمرًا إلى أمه، فأدخلته الحمام وألبسته ثيابه، وطوَّقته طَوْقًا كان له من ذهب، فلما رآه جذيمة .. قَال: كَبُرَ عمرو عن الطَّوقِ، فأرسلها مَثَلًا. وفي مالك وعقيل يقولوا مُتَمِّمُ بن نُويرة يرثي أخاه مالك بن نُوَيرة: وكُنَّا كَنَدْمانَيّ جَذِيمة حقْبَةً ... مِنَ الدَّهرِ حتَّى قِيل لَنْ نَتَصَدَّعا وعِشْنَا بِخَيْرٍ في الحَيَاةِ وَقَبْلَنَا ... أصَابَ المنايَا رَهْطَ كِسْرَى وَتُبَّعا فَلَّمَا تَفَرَّقْنَا كَأنِّي وَمَالِك ... لِطُولِ اجْتِمَاعٍ لَمْ نَبَتْ لَيْلَةً معًا قلت: اللام في (لطول اجتماع) يجوز أن تتعلقَ بـ (تفرقنا)؛ أي: تفرقنا لاجتماعنا، يشير إلى أن التفرقَ سببه الاجتماع. ويجوز أن تكون اللام بمعنى (على). ومالك وعقيل المذكوران قَال ابن الكلبي: يضرب المثل بهما للمُتُوَاخِيَين، فيقَال: (هما كنَدْمَانَيّ جَذِيمة). قَالوا: دامت لهما رُتبة المنادمة أربعين سنة. الشاهد: قوله: (أن قد تفرق)؛ حيث أعمل (أنْ) المخففة من (أنَّ) الثّقيلة فنصب ضمير الشّأن اسمًا لها، والجملة الفعلية هي خبرها، وقد فصل بين أن وخبرها بالحرف قد. (١) التخريج: البيت بِلَا نسبة في الدّرر ٤/ ٣٠، وشرح شواهد المغني ٢/ ٨٢٨، ومعاهد التّنصيص