للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَابُ الْهَمْزَةِ مَعَ الرَّاءِ

(أربَ)

(هـ) فِيهِ «أَنَّ رَجُلا اعْتَرَض النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْأَلَهُ فَصَاحَ بِهِ النَّاسُ، فَقَالَ دَعُوا الرّجل أَرِبَ ما له» فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ: إِحْدَاهَا أَرِبَ بِوَزْنِ عَلم، وَمَعْنَاهَا الدُّعاءُ عَلَيْهِ، أَيْ أصيبتْ آرَابه وسَقَطَت، وَهِيَ كلمةٌ لَا يُرَادُ بِهَا وُقُوعُ الْأَمْرِ، كَمَا يُقَالُ تَرِبَتْ يَدَاكَ، وقاتلكَ اللَّهُ، وَإِنَّمَا تُذْكَرُ فِي مَعْرِضِ التَّعَجُّب. وَفِي هَذَا الدُّعَاءِ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا تَعَجُّبَه مِنْ حِرْصِ السَّائِلِ ومُزَاحَمَته، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَمَّا رَآهُ بِهَذِهِ الْحَالِ مِنَ الْحِرْصِ غلَبَه طَبْعُ البَشَرِية فَدَعَا عَلَيْهِ. وَقَدْ قَالَ فِي غَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ: «اللهُمَّ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَمَنْ دَعوتُ عَلَيْهِ فاجعلْ دُعائي لَهُ رَحْمَة» وَقِيلَ مَعْنَاهُ احتاجَ فَسَأَل، مِنْ أَرِبَ الرَّجل يَأْرَبُ إِذَا احْتَاج، ثُمَّ قَالَ مَا لَهُ؟ أيْ أيُّ شَيْءٍ بِهِ؟ وما يريد؟

والرواية الثانية «أَرَبٌ ما له، بِوَزْنِ جَمَل «١» ، أَيْ حَاجَةً لَهُ، وَمَا زَائِدَةٌ لِلتَّقْلِيلِ، أَيْ لَهُ حَاجَةٌ يَسِيرَةٌ.

وَقِيلَ مَعْنَاهُ حَاجَةٌ جَاءَتْ بِهِ، فَحُذِفَ، ثُمَّ سَأَلَ فَقَالَ مَا لَهُ.

وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ أَرِبٌ بِوَزْنِ كَتِفٍ، والأَرِبُ الحاذقُ الْكَامِلُ «٢» ، أَيْ هُوَ أربٌ، فَحُذِفَ الْمُبْتَدَأُ ثُمَّ سَأَلَ فَقَالَ: مَا لَهُ أَيْ مَا شأنُه.

(س) وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ الْآخَرُ «أَنَّهُ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: دُلَّني عَلَى عَمَلٍ يُدخلني الْجَنَّةَ، فَقَالَ أَرُبَ مَا لَهُ» أَيْ أَنَّهُ ذُو خبرةٍ وَعِلْمٍ. يُقَالُ أَرُبَ الرَّجُلُ بالضَّمِّ فَهُوَ أَرِيبٌ، أَيْ صَارَ ذَا فِطْنَةٍ. وَرَوَاهُ الْهَرَوِيُّ «إِرْبٌ مَا لَهُ» بِوَزْنِ حِمْلٍ أَيْ أَنَّهُ ذُو إِرْبٍ: خُبْرَة وعلمٍ.

[هـ] ) وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ «أَنَّهُ نَقِمَ عَلَى رَجُلٍ قَوْلًا قَالَهُ، فَقَالَ: أَرِبْتَ عَنْ ذِي يَدَيْكَ» أَيْ سقطْت آرَابُكَ مِنَ اليديْن خَاصَّةً. وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: مَعْنَاهُ ذهبَ مَا فِي يَدَيْك حَتَّى تحتاجَ «٣» . وفي هذا


(١) ضبطه مصحح الأصل «إرب بوزن حمل» بكسر الهمزة وسكون الراء وما أثبتناه من ا، واللسان وتاج العروس.
(٢) أنشد الهروي. وهو لأبي العيال الهذلي، يرثي عبد بن زهرة:
يُلف طوائف الفرسا ... ن وهو بلفِّهم أَرِب
(٣) أنشد الهروي لابن مقبل:
وإن فينا صبوحاً إن أَربْت به ... جمعاً تهيَّأ آلافاً ثمانينا
أي إن احتجت إليه وأردته.

<<  <  ج: ص:  >  >>