عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ فِي عُمْرة القَضَاء؛ ليُرِىَ الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُمْ حَيْثُ قَالُوا وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ، وَهُوَ مسْنُون فِي بَعْضِ الْأَطْوَافِ دُون البَعْض. وَأَمَّا السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَهُوَ شِعار قَدِيمٌ مِنْ عهدِ هَاجَر أُمِّ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَإِذَا المرادُ بِقَوْلِ عُمَر رَمَلَانُ الطَّوَافِ وَحْدَهُ الَّذِي سُنَّ لِأَجْلِ الْكُفَّارِ، وَهُوَ مصْدر. وَكَذَلِكَ شَرَحه أَهْلُ الْعِلْمِ لَا خلافَ بينَهم فِيهِ، فَلَيْسَ لِلتَّثْنِيَةِ وجهٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
(س) وَفِي حَدِيثِ الحُمُر الْأَهْلِيَّةِ «أَمر أَنْ تُكفأ القُدُور وَأَنْ يُرَمِّلَ اللحمُ بالتُّراب» أَيْ يُلَتَّ بِالرَّمْلِ لِئَلَّا يُنْتَفع بِهِ.
(هـ) وَفِي حَدِيثِ أَبِي طَالِبٍ يَمْدَحُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
وَأَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ ... ثِمَالُ اليتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ
الْأَرَامِلُ: المسَاكين مِنْ رِجال ونِسَاءٍ. وَيُقَالُ لكُلّ واحدٍ مِنَ الفَرِيقَين عَلَى انْفرَاده أرَامِلُ، وَهُوَ بالنَّساء أخَصُّ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالًا، والواحدُ أَرْمَلُ وأَرْمَلَةُ. وَقَدْ تَكَرَّرَ ذِكْر الأرْمَل والأرْمَله فِي الْحَدِيثِ. فَالْأَرْمَلُ الَّذِي مَاتَتْ زوجتُه، والْأَرْمَلَةُ الَّتِي مَاتَ زَوْجُهَا. وسواءٌ كَانَا غَنِيَّين أَوْ فقِيرَيْن.
(رَمَمَ)
(س) فِيهِ «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تُعْرَض صلاتُنا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرَمَّتَ» قَالَ الْحَرْبِيُّ: هَكَذَا يَرْوِيهِ المُحدِّثون، وَلَا أَعْرِفُ وجهَه، والصوابُ: أَرَمَّتْ، فتكونُ التَّاءُ لِتَأْنِيثِ الْعِظَامِ، أوْ رَمِمْتَ: أَيْ صِرْتَ رَمِيماً. وَقَالَ غيُره: إِنَّمَا هُوَ أَرَمْتَ بوزْن ضَرَبْتَ. وَأَصْلُهُ أَرْمَمْتَ:
أَيْ بَلِيتَ، فحُذِفت إحْدَى المِيمَينِ، كَمَا قَالُوا أحَسْتَ فِي أحْسَسْت. وَقِيلَ: إِنَّمَا هُوَ أَرْمَتَّ بِتَشْدِيدِ التَّاءِ عَلَى أَنَّهُ أَدْغَمَ إِحْدَى الْمِيمَيْنِ فِي التاءِ، وَهَذَا قولٌ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الميمَ لَا تُدْغَم فِي التَّاءِ أَبَدًا. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يكونَ أُرِمْتَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ بِوَزْنِ اُمِرْتَ، مِنْ قَوْلِهِمْ أَرَمِت الْإِبِلُ تَأرِمُ إِذَا تناَوَلَت العَلَف وقَلعَتْه مِنَ الْأَرْضِ.
قُلْتُ: أَصْلُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ مِنْ رَمَّ الميّتُ، وأَرَمَّ إِذَا بَلِيَ. والرِّمَّةُ: العظْمُ البالِي، وَالْفِعْلُ الْمَاضِي مِنْ أَرَمَّ لِلْمُتَكَلِّمِ والمُخاطب أَرْمَمْتُ وأَرْمَمْتَ بِإِظْهَارِ التَّضْعِيفِ، وَكَذَلِكَ كَلُّ فِعْل مُضَعّف فَإِنَّهُ يَظْهَرُ فِيهِ التضعيفُ مَعَهُمَا، تَقُولُ فِي شَدَّ: شَدَدْت، وَفِي أعَدَّ: أعدَدْت، وَإِنَّمَا ظهرَ التضعيفُ لِأَنَّ تَاءَ المُتَكلم والمُخاطب مُتَحَرِّكَةٌ وَلَا يكونُ مَا قَبْلَهُمَا إلاَّ سَاكِنًا، فَإِذَا سَكَن مَا قَبْلها وَهِيَ الميمُ الثانية الْتقَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute