كتمان ما يحتاج إلى نقله؛ لأنَّ كتمانه يجري في القبح مجرى الإخبار عنه بخلاف ما هو عليه، فلم يجزْ وقوعُ ذلك منهم، وتواطؤهم عليه، فإن قال رجل من أهل الجمعة: إن الخطيب ضربه رجل بالسيف فقتله وهو يخطب على المنبر، ولم يذكر هذا باقي أهل الجمعة، جزمنا بأن ذلك الرجل كاذب، لأنَّ توطأهم على كتمان مثل هذا الأمر مستحيل عادة، ومن هنا قالوا: ما نُقل آحادًا مع توفر الدواعي إلى نقله تواترًا حكم ببطلانه.
فإن قيل: لم ينقل النصارى كلام عيسى في المهد نقلًا متواترًا مع أنه حقٌّ واقع؟
فالجواب: أن كلامه في المهد وقع قبل ظهوره واتباعهم له.
وخالف في هذه المسألة الإمامية قائلين: إن أهل التواتر قد يكتمون، ورتَّبوا على ذلك أنَّ جميع الصحابة رضي اللَّه عنهم وأرضاهم مع كثرتهم كتموا كلُّهم النصوص المصرحة بإمامة علي رضي اللَّه عنه، وقالوا: والوقوع دليل على الجواز (١).
حاشا أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ممَّا يفتريه عليهم الإمامية من المختلقات.
(١) قولهم: "والوقوع دليل على الجواز" يعنون به ما زعموه من كتمان الصحابة رضي اللَّه عنهم نصوص إمامة علي -رضي اللَّه عنه-، وليس هناك وقوع كتمان آخر. وهذا الاستدلال باطل؛ لأنه استدلال بصورة الخلاف، والممانع يقول لهم: لم توجد النصوص التي زعمتم، ولو وجدت لنقلت؛ لأن أهل التواتر لا يتواطؤون على الكتمان. "عطية".