للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واعلم أنه يُفَرَّقُ بين خطاب التكليف وخطاب الوضع بفارقين ظاهرين، وهما: أنَّ خطاب الوضع علامته أنه إما أن لا يكون في قدرة المكلف أصلًا، كزوال الشمس والنقاء من الحيض، أو يكون في قدرته ولا يؤمرُ به، كالنصاب للزكاة، والاستطاعة للحج، وعدم السفر للصوم.

وبهذا تعرف أنَّ خطاب التكليف علامتهُ أمران: أن يكون في قدرة المكلف، ويؤمر به فعلًا، كالوضوء للصلاة، أوْ تركًا كسائر المنهيات.

وخطاب الوضع أعمُّ من خطاب التكليف؛ لأنَّ كلَّ تكليف معه خطابُ وضعٍ، إذ لا يخلو من شرط أو مانع مثلًا، وقد يوجد خطاب الوضع حيث لا تكليف، كلزوم غرم المتلفات وأروش الجنايات لغير المكلَّف كالصبي، وقيل: بينهما عموم وخصوص من وجه، واعتمده القرافي في الفروق.

أمَّا العلة فهي في اللغة: عبارةٌ عما اقتضى تغييرًا، ومنه سُميَّت علةُ المريض؛ لأنَّها اقتضت تغير الحال، ومنه قول زهير:

إن تلق يومًا على علاته هَرِمًا ... تلق السماحة منه والندى خُلُقا

أي إن تلقه على علاته -أي حالاته المقتضية تغيير الجود، كالفقر والجدب- تلقه متصفًا بالجود والسماحة على كل حال.

والعلة العقلية عبارة عما يوجب الحكم لا محالة، كتأثير حركة الأصبع في حركة الخاتم، وتأثير الكسر في الانكسار والتسويد في السواد.

<<  <   >  >>