للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واعلم أنَّ دليل المؤول قد يكون قرينة، كمناظرة الإمامين الشافعي وأحمد رحمهما اللَّه في عود الواهب في هبته؛ فالشافعيُّ يجيز، وأحمد يمنع؛ فاستدلَّ أحمد بحديث: "العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه"، فقال الشافعيُّ: نعم، ولكنَّ الكلب لا يحرم عليه أنْ يعود في قيئه؛ فقال أحمد: في أول الحديث: "ليس لنا مثلُ السوء" وهو قرينة على أنَّ هذا المثلَ السيء منفيٌّ عنَّا، فلا يجوز لأحد إتيانه لنا.

وقد يكون نصًّا آخر، كعموم {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة/ ٣] فإنه ظاهر في شموله الانتفاع بجلدها، والنصُّ على الانتفاع بجلد الشاة الميتة في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "هلا أخذتم إهابها فانتفعتم به" الحديث يصرفُ ذلك العموم عن ظاهره.

وقد يكونُ ظاهر عمومٍ آخر، كالآية المذكورة مع عمومِ "أيما إهاب دبغ فقد طهر".

وقد يكون قياسًا راجحًا، فعموم جلد الزاني مئة جلدةٍ ظاهرٌ في شمول العبد، ولكنه تعالى لمَّا خصَّ عموم الزانية الأنثى بغير الأمة بقوله: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء/ ٢٥] عُرِفَ أنَّ الرِّقَّ علة لتشطير الجلد، فحكم بتشطير جلد العبدِ قياسًا على الأمة، فكان في قياسه عليها صرفُ اللفظ عن إرادة عموم "الزاني" إلى محتمل مرجوح هو كونُه في خصوص الحر، اعتمادًا على القياس على الأمَةِ المنصوصِ عليها.

واعلم أنَّ كل مؤوِّل يلزمه أمران:

<<  <   >  >>