للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التنبيه الثالث: اختلف أهلُ العلم في الاحتجاج بألفاظ الحديث على مسائل اللغة العربية، فقال قوم: لا يجوز ذلك؛ لأنَّ الغالب الرواية بالمعنى دون اللفظ، وكثير من الرواة الذين يروون بالمعنى لا يحتجُّ بهم في اللغة؛ لأنَّ أصلهم عجم أو عرب لا يحتجُّ بقولهم.

واستدلُّوا لهذا بكثرة اختلاف ألفاظ الرواة في الواقعة الواحدة، إذْ ليس كل تلك الألفاظ المختلفة من لفظ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.

وممن قال بهذا القول الدَّمامينيُّ زاعمًا أن علماء عصره، كالبلقيني، وابن خلدون، وغيرهم، وافقوه في ذلك، كما ذكره العبَّادي في "الآيات البينات" عن شهاب الدين عميرة.

وذهب آخرون إلى جواز الاحتجاج بألفاظ الحديث على اللغة العربية بناءً على أن الأصل والغالب الروايةُ باللفظ.

قالوا: ولا حجة على خلاف ذلك باختلاف الألفاظ في الواقعة الواحدة؛ لجواز كونه -صلى اللَّه عليه وسلم- حدث عن واقعة واحدةٍ في أوقات مختلفة بألفاظ مختلفة، فروى كلُّ راوٍ كما سمع.

وممَّن اشتهر بالاستدلال بلفظ الحديث على اللغة ابن مالك -رحمه اللَّه-.

قال مقيده -عفا اللَّه عنه-:

الذي يظهر لي في هذه المسألة -واللَّه أعلم- هو التفصيل فيها، فما غلب على الظن أنَّه من لفظ النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، كبعض الأحاديث التي اتفق فيها جميع الرواة أو معظمهم على لفظ واحد، فإنَّه حجة في اللغة، وما

<<  <   >  >>