للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني: هو ما تخلفت فيه الحكمةُ عن العلةِ في بعضِ الصورِ مع كونِ وجودها هو الغالب.

ومثالُه: المسافرُ سفر ترفُّهٍ كالنائمِ على محملٍ، فإنَّ أكثر أهل العلم على أنَّ له أنْ يترخص بسفره ذلك، فيقصرَ الصلاةَ ويُفطرَ في رمضان، لأنَّ العلةَ التي هي السفرُ موجودةٌ، ووصفُ السفرِ في هذا المثالِ ليس مناسبًا لتشريع الحكم؛ لتخلف الحكمة؛ لأنَّ حكمةَ التخفيفِ بالقصرِ والإفطارِ هي تخفيفُ المشقةِ على المسافر، وهذا المسافرُ المذكورُ لا مشقةَ عليه أصلًا.

ووجهُ بقاءِ الحكمِ هنا مع انتفاءِ حكمته هي أنَّ السفر مظنَّةُ المشقةِ غالبًا، والمعلَّلُ بالمظانّ لا يتخلفُ بتخلفِ حكمته، اعتبارًا بالغالبِ وإلغاءً للنادر.

وممَّا يوضحُ ذلك أنَّ الوصف الطرديَّ المحضَ لا يُعَلَّلُ به قولًا واحدًا.

وربما كانت العلةُ وصفًا غيرَ موجودٍ في محلِّ الحكمِ إلا أنَّه يترقبُ وجوده، كتحريم نكاحِ الأمةِ لعلةِ خوفِ رقِّ الولدِ.

قال المؤلف (١) -رحمه اللَّه تعالى-:

(قال بعضُ أصحابنا: مِنْ شرطِ العلةِ أنْ تكونَ متعدية، فإنْ كانت قاصرةً على محلِّها، كتعليلِ الربا في الأثمانِ بالثمنيَّة، لم يصح، وهو


(١) (٣/ ٨٨٨).

<<  <   >  >>