للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تنبيه:

اعلمْ أنَّ من الفوارقِ التي ذكرها بعضُ أهل الأصولِ بين الشبه والمناسبِ أنَّ صلاحيةَ الشبهِ لما يترتبُ عليه من الأحكامِ لا يدركها العقلُ لو قُدِّرَ عدمُ ورود الشرع.

قالوا: فاشتراطُ النيةِ في الوضوءِ لو لم يرد الشرعُ باشتراطها في التيممِ لما أدرك العقلُ اعتبارها فيه، بخلافِ المناسب فإنَّ صلاحيتَه لما يترتبُ عليه من الأحكامِ قد يدركها العقلُ قبل ورود الشرع.

ولذلك حرَّم بعضُ رجال العرب الخمرَ على نفسه قبلَ ورود الشرعِ بتحريمها؛ لأنَّ عقله أدركَ قبحَ زوالِ، العقلِ، وما يلزمُ عليه من القبائح، حرَّمها على نفسه للموجب المذكورِ قيسُ بن عاصمٍ المنقريُّ التميميُّ، كما ذكره عنه بعضُ المؤرخين، وذكره ابنُ عبد البر في "الاستيعاب"، وفي ذلك يقول:

رأيتُ الخمرَ صالحةً وفيها ... خصالٌ تفسدُ الرَّجل الحليما

فلا واللَّهِ أشربها صحيحًا ... ولا أشفي بها أبدًا سقيما

ولا أعطي بها ثمنًا حياتي ... ولا أدعو لها أبدًا نديما

لأنَّ الخمر تفضحُ شاربيها ... وتجنيهم بها الأمر العظيما

فقوله: لأنَّ الخمرَ تفضحُ شاربيها. . . البيت، دليلٌ على أنَّه أدرك بعقله مناسبة الإسكارِ للتحريم، كما لا يخفى.

<<  <   >  >>