فقولهم: لا تبنى القنطرةُ على جنسه، ليس بمناسب، وهو مستلزمٌ للمناسب، وقد شهدَ الشرعُ بتأثيرِ جنس القلةِ والتعذرِ في عدمِ مشروعيةِ الطهارة، بدليلِ أنَّ الماءَ إذا قلَّ واشتدتْ إليه الحاجةُ فإنَّه تتركُ الطهارةُ به، وينتقلُ إلى التيمم.
ومنها: تعليلهم لوجوب النية في التيمم بكونه طهارةً، فيُقاسُ عليه الوضوءُ بجامع أنه طهارةٌ، فإنَّ الطهارةَ مِنْ حيثُ هي لا تناسبُ اشتراط النيةِ لعدمِ اشتَراطها في طهارةِ الخبثِ، ولكن تناسبُه مِنْ حيثُ إنَّها عبادةٌ وقربةٌ، والعبادةُ مناسبةٌ لاشتراطِ النيةِ لقوله:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الآية [البينة/ ٥].
فإنْ قيل: إنْ كان المناسبُ لاشتراطِ النيةِ جهةَ العبادةِ لزمَ اشتراطُها في الطهارةِ من النجاسةِ، لتحقق تلك الجهةِ فيها، إذْ لا تكونُ إلا واجبةً أو مندوبةً، والواجبُ والمندوبُ كلاهما عبادةٌ، مع أنَّ عدمَ اشتراطها فيها مجمعٌ عليه.
فجوابُ المخالفين هو أنَّ الطهارةَ من النجاسةِ مِنْ حيثُ هي لم توضع لمحضِ التعبدِ، فقد تكونُ غيرَ واجبةٍ ولا مندوبةٍ، كإزالتك لها عن أرضك دفعًا للاستقذارِ، بخلافِ الوضوءِ -مثلًا- فإنَّه لا يقعُ إلَّا عبادةً، ولا ينافي ذلك غسلُ الأعضاءِ لمجردِ التنظيفِ، لأنَّ غسلها على الوجه والترتيب الخاصَّيْنِ لا يكونُ إلا للتعبد.