والصحبة تثبتُ بقوله عن نفسه: إنَّه صحب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، إنْ كان أدرك عصره، وكذلك تثبتُ بقول غيره من الصحابة رضي اللَّه عنهم.
هذا حاصل كلامه رحمه اللَّه.
وخالف جماعة، فقالوا: لا تثبتُ العدالةُ إلا لخصوص الذين لازموه -صلى اللَّه عليه وسلم-، واهتدَوْا بهديه، أمَّا من رآهُ مرة مثلًا ثم فارقه، فلا تثبتُ له العدالة بذلك.
وممَّن اختار هذا التفصيل المازريُّ في شرح "البرهان" لإمام الحرمين، والقرافي، وغيرهما.
والصواب -إن شاء اللَّه تعالى- هو مذهبُ الجمهور، وأنهم كلُّهم عدولٌ رضي اللَّه عنهم وأرضاهم، سواء لازموه أو اجتمعوا به وذهبوا.
وقد أطبقَ العلماءُ على قبول رواية وائل بن حُجر، ومالك بن الحويرث، وعثمان بن أبي العاص الثقفي، وغيرهم، ممَّن اشتهرتْ صحبتُهم وروايتُهم عنه -صلى اللَّه عليه وسلم-، مع أنَّهم وفدُوا إليه، واجتمعُوا به -صلى اللَّه عليه وسلم-، ورجعُوا إلى أهليهم، ولم يلازموه.
وقال ابنُ حجر في مقدمة "الإصابة": اتفق أهل السنة على أنَّ الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة.
وذكر الخطيبُ في "الكفاية" فصلًا نفيسًا في ذلك فقال: عدالة الصحابة ثابتةٌ معلومةٌ بتعديل اللَّه لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم، فمن ذلك قوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران/ ١١٠]، وقوله:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ}