أمَّا الوحيُ فإنَّ هذه المسألةَ سئل عنها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فأفتى بذلك، وذلك أنَّ الأنصاريَّ الذي قبَّل الأجنبية، ونزلت فيه {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} الآية، [هود/ ١١٤]. قال للنبيِّ: أَلِيَ هذا وحدي يا رسول اللَّه؟
ومعنى ذلك: هل حكمُ هذه الآية يختصُّ بي لأنَّي سببُ نزولها؟
فأفتاهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنَّ العبرةَ بعمومِ لفظِ {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} لا بخصوصِ السبب، حيثُ قال له:"بل لأمتي كلِّهم".
وهو نصٌّ نبويٌّ في محلِّ النزاع.
ومن الأحاديثِ الدالةِ على ذلك: أنَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لمَّا أيقظَ عليًّا وأمره وفاطمةَ بالصَّلاةِ من الليل، وقال له علي رضي اللَّه عنه: إنَّ أرواحنا بيد اللَّه إنْ شاء بعثنا، ولَّى -صلى اللَّه عليه وسلم- يضربُ فخذَه ويقول:" {وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (٥٤)} "[الكهف/ ٥٤]، فجعل عليًّا داخلًا فيها مع أنَّ سببَ نزولِها الكفارُ الذين يجادلون في القرآن.
وخطابُه -صلى اللَّه عليه وسلم- لواحدٍ كخطابه للجميعِ -كما تقدم- ما لم يقُم دليلٌ على الخصوص.
وأمَّا اللغةُ فإنَّ الرجلَ لو قالت: له زوجتُه: طلِّقني، فطلَّق جميع نسائه، لا يختصُّ الطلاقُ بالطالبةِ التي هي السبب.
والتحقيقُ عن مالكٍ أنَّه يوافقُ الجمهورَ في هذه المسألةِ خلافًا لما ذكره عنه المؤلف.