هذا حقيقة الأمر على رأي هؤلاء المتكلمين، وهذا الكلام قد رأيته صرح بمعناه طائفة منهم، وهو لازم لجماعتهم لزوماً لا محيد عنه].
وهذا التصريح يقررونه بطرق، ومن أخص هذه الطرق ما شاع في كتب المتكلمين من قانون تعارض العقل والنقل، وقد ذكر هذا القانون أئمة المعتزلة، وتحقيقه عند المعتزلة بين لا إشكال فيه، بل وكذلك ذكره كثير من أئمة الأشاعرة كـ أبي حامد الغزالي وأبي المعالي الجويني، ومحمد بن عمر الرازي وغيرهم، ومحصل هذا القانون -الذي عليه عامة المتكلمين كما يذكره الرازي في كتبه، وبخاصة في أساس التقديس الذي أجاب عنه شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه نقض التأسيس - محصل هذا القانون كما يقول الرازي: إن الظواهر النقلية إذا عارضت القواطع العقلية فإما أن تقدم الظواهر النقلية، قال: وهذا ممتنع؛ لأن أصل قبول النقل هو العقل.
وإما أن تقبل الظواهر النقلية مع القواطع العقلية، قال: وهذا ممتنع لأنه جمع بين النقيضين، وإما أن ترفع الظواهر النقلية والقواطع العقلية؛ وهذا ممتنع لأنه رفع للنقيضين.
بهذا يتبين أن تقديم النقل على العقل - بحسب زعم الرازي وأصحابه والمتكلمون بعامة - ممتنع؛ لأن أصل قبول النقل هو الدليل العقلي؛ وبما أن جمع النقيضين ممتنع ورفعهما ممتنع لم يبق عنده إلا الرابع: وهو تقديم العقل على النقل.
قال: وإذا قدم الدليل العقلي القاطع على الظواهر النقلية فهذه الظواهر فيها مسلكان: التأويل والتفويض.
إذاً: رتب المتكلمون من الأشاعرة مسألة التأويل ومسألة التفويض على مسألة تعارض العقل والنقل.
وهذا القانون هو من أخص القوانين التي شاعت في طوائف المتكلمين نفاة الصفاة أو ما هو منها، وقد أجاب عنه أئمة السنة كثيراً وبخاصة ما كتبه شيخ الإسلام رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل.