وهي مسألة للسلف فيها عناية كثيرة، فإن فيها -مسألة العلو- ومسألة الكلام، والرؤية ..
كلاماً للسلف من جهة التفصيل والتقرير أظهر من كلامهم في غيرها من الصفات وأشهر، وخاصة مسألة العلو ..
وذلك لأن من أثبت علو الله سبحانه وتعالى لابد أن يقع له إثبات جملة من الصفات، وبطريقة أدق: كل من نفى علو الله سبحانه وتعالى فإنه رتب نفي كثير من الصفات على انتفاء العلو.
مثلاً: من المسائل التي أنكرها المعتزلة: الرؤية.
فما هو دليل المعتزلة الذي ظنوه قاطعاً على نفي الرؤية؟
هو دليل مبني على نفي العلو، وهو ما يسميه المعتزلة في كتبهم دليل المقابلة، وهذا الدليل هو أخص دليل للمعتزلة نفوا به الرؤية، بمعنى أنه إذا بطل هذا الدليل بطل المذهب، وإن كانوا يستدلون بدليل الاضطباع، وبظاهر قوله:{لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام:١٠٣] وقوله: {لَنْ تَرَانِي}[الأعراف:١٤٣] لكن كما تقدم أن استدلالهم بالقرآن ليس محققاً لا من جهة الصواب ولا من جهة موافقة المذهب.
إذاً: بنى كثير من النفاة -من الجهمية والمعتزلة- نفي كثير من الصفات على ما ظنوه من تحقق انتفاء العلو بالعقل، والحق أن مسألة العلو -أعني: علو الباري سبحانه وتعالى - هي من أظهر المسائل ثبوتاً، بل إنها أظهر ثبوتاً من كثير من الصفات التي نفوها بنفيهم لمسألة العلو؛ لأنه ليس كل الصفات يدل على ثبوتها العقل مع الشرع، فبعض الصفات صفات تعلم بالشرع وحده، وإذا قلنا: إنها تعلم بالشرع وحده، فهذا لا يعني أن العقل يمكن أن يعارض هذا المثبت بالشرع، ولكن العقل لا يدل عليه قبل ورود الشرع، ولكن عند ورود الشرع فإن العقل يقبله ولا ينافيه.