[كل قول أضيف إلى جميع السلف يلزم إضافته إلى النبي عليه الصلاة والسلام]
[ثم هؤلاء ينكرون العقليات في هذا الباب بالكلية، فلا يجعلون عند الرسول وأمته في باب معرفة الله عز وجل لا علوماً عقلية ولا سمعية؛ وهم قد شاركوا الملاحدة من وجوه متعددة، وهم مخطئون في ما نسبوه إلى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإلى السلف من الجهل، كما أخطأ في ذلك أهل التحريف، والتأويلات الفاسدة وسائر أصناف الملاحدة].
إذاً: يلزم من قولهم: إن الخلف اشتغلوا بالعلوم العقلية فحصلوا التأويل والسلف لم يشتغلوا ففوضوا.
أن يكون السلف لم يعرفوا المعنى لا من جهته شرعياً؛ لأنه مجهول على طريقتهم، ولا من جهته عقلياً؛ لأنهم لم يشتغلوا بالتأويل، فيجرد السلف بهذا من العلوم الشرعية والعلوم العقلية في باب الصفات، وتكون النتيجة: أن السلف في باب الصفات ليس لديهم علم عقلي ولا علم شرعي.
وهنا قاعدة: أن كل قول أضيف لسائر السلف -أي: هو إجماع للسلف- فإنه يلزم أن يكون مضافاً إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فنقول: إن الأشاعرة يحكون في كتبهم أن السلف أجمعوا على عدم التأويل ..
وهذا صحيح، لكنهم يقولون: إنهم وقعوا في التفويض.
فإذا وقعوا في التفويض والأشعرية تمتدح طريقة التأويل وتقصد أنها هي الطريقة العقلية والعلم العقلي الفاضل فإن معنى هذا أن السلف لم يكن لديهم علم عقلي وليس معهم علم شرعي؛ لأن المعاني مجهولة، لكن السلف وهم الأئمة أخذوها عمن قبلهم من الأئمة من التابعين، والتابعون أخذوها عن الصحابة ..
وهلم جرا.
وهنا يرد السؤال: الصحابة ماذا كان شأنهم؟ هل كالأئمة الذين أدركوا زمن الخلافة أم على خلافهم؟ هل الصحابة عندهم علم بتأويلها أو ليس لديهم علم؟ وهلم جرا.
إذاً: بهذه الطريقة يتسلسل الأمر إلى الصحابة والصحابة تلقوا عن نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم.
ويصبح أن يقال بعبارة أخرى: هذه النصوص هل يمكن العلم بمعناها أو لا يمكن؟
فإن قالوا: لا يمكن.
قيل: إذاً كيف اشتغلوا بتأويلها.
وإن قالوا: يمكن.
نقول: لِم لَمْ يبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا لأمته؟ إلا إن التزموا أن النبي كان محتاجاً إلى العلوم الفلسفية كاحتياجنا.
إذاً لماذا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبين هذا الممكن؟ إن قالوا: إن البيان يتوقف على الدليل العقلي الكلامي للزم من هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتحقق دينه إلا بمعرفته صلى الله عليه وآله وسلم للمقالات الفلسفية ..
وهذا شطط! ولهذا ترى أن السلف رحمهم الله بموقفهم من هؤلاء الذين ضلوا طريقهم وطريقة الصحابة، وما تراه من إغلاظ السلف على الجهمية وطعنهم فيهم هو ليس كثيراً، هو واقع على التحقيق، ومقالاتهم مقالات كفرية محضة وإن كان السلف رحمهم الله عدلاً منهم لم يشتغلوا بتكفير أعيانهم؛ لأنه اختلط هذا القول في قوم من الزنادقة مع قوم ممن أرادوا الحق وقصدوه ولكنهم غلطوا فيه، وإن كان هؤلاء الذين غلطوا في معرفة الحق ممن لم يكونوا من أهل الزندقة والإلحاد -في الجملة- مقصرين في طلب الحق.