للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قول ابن أبي زمنين في إثبات صفات الله عز وجل]

[وقال أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي زمنين الإمام المشهور من أئمة المالكية في كتابه الذي صنفه في أصول السنة قال فيه:

باب الإيمان بالعرش

قال: ومن قول أهل السنة أن الله عز وجل خلق العرش واختصه بالعلو والارتفاع فوق جميع ما خلق ثم استوى عليه كيف شاء كما أخبر عن نفسه في قوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] وقوله: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ} [الحديد:٤] الآية.

فسبحان من بعد وقرب بعلمه فسمع النجوى.

وذكر حديث أبي رزين العقيلي ; قلت: (يا رسول الله أين ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء ثم خلق عرشه على الماء) قال محمد: العماء السحاب الكثيف المطبق -فيما ذكره الخليل - وذكر آثارا أخر.

ثم قال:

باب: الإيمان بالكرسي:

قال محمد بن عبد الله: ومن قول أهل السنة أن الكرسي بين يدي العرش وأنه موضع القدمين.

ثم ذكر حديث أنس الذي فيه التجلي يوم الجمعة في الآخرة وفيه: (فإذا كان يوم الجمعة هبط من عليين على كرسيه ثم يحف الكرسي على منابر من ذهب مكللة بالجواهر; ثم يجيء النبيون فيجلسون عليها).

وذكر ما ذكره: يحيى بن سالم صاحب التفسير المشهور: حدثني العلاء بن هلال عن عمار الدهني ; عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الكرسي الذي وسع السموات والأرض لموضع القدمين; ولا يعلم قدر العرش إلا الذي خلقه.

وذكر من حديث أسد بن موسى ; ثنا حماد بن سلمة عن زر عن ابن مسعود قال: ما بين السماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماء خمسمائة عام وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام وبين الكرسي والماء خمسمائة عام والعرش فوق الماء والله فوق العرش وهو يعلم ما أنتم عليه.

ثم قال في باب الإيمان بالحجب قال: ومن قول أهل السنة إن الله بائن من خلقه يحتجب عنهم بالحجب فتعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً} [الكهف:٥] وذكر آثاراً في الحجب.

ثم قال في باب الإيمان بالنزول قال: ومن قول أهل السنة أن الله ينزل إلى سماء الدنيا ويؤمنون بذلك من غير أن يحدوا فيه حدا وذكر الحديث من طريق مالك وغيره.

إلى أن قال: وأخبرني وهب عن ابن وضاح عن الزهري عن ابن عباد.

قال: ومن أدركت من المشايخ مالك وسفيان وفضيل بن عياض وعيسى بن المبارك ووكيع: كانوا يقولون: إن النزول حق.

قال ابن وضاح: وسألت يوسف بن عدي عن النزول قال: نعم أومن به ولا أحد فيه حدا وسألت عنه ابن معين فقال: نعم أقر به ولا أحد فيه حدا.

قال محمد: وهذا الحديث يبين أن الله عز وجل على العرش في السماء دون الأرض وهو أيضا بين في كتاب الله وفي غير حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} [السجدة:٥] وقال تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً} [الملك:١٦ - ١٧] وقال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:١٠] يرفعه وقال: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:١٨] وقال تعالى: {يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران:٥٥] وقال: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [النساء:١٥٨].

وذكر من طريق مالك: قول النبي صلى الله عليه وسلم للجارية: (أين الله؟ قالت: في السماء.

قال: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله.

قال: فأعتقها).

قال: والأحاديث مثل هذا كثيرة جدا فسبحان من علمه بما في السماء كعلمه بما في الأرض لا إله إلا هو العلي العظيم.

وقال قبل ذلك في الإيمان بصفات الله تعالى وأسمائه قال: واعلم بأن أهل العلم بالله وبما جاءت به أنبياؤه ورسله يرون الجهل بما لم يخبر به عن نفسه علما والعجز عن ما لم يدع إليه إيمانا وأنهم إنما ينتهون من وصفه بصفاته وأسمائه إلى حيث انتهى في كتابه على لسان نبيه.

وقد قال -وهو أصدق القائلين- {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص:٨٨] وقال: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ} [الأنعام:١٩] وقال: {وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران:٢٨] وقال: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر:٢٩] وقال: {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:٤٨] وقال: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩] وقال: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤] وقال: {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ} [الزمر:٦٧] الآية.

وقال: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦] وقال: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} [النساء:١٦٤] وقال تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} [النور:٣٥] الآية وقال: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:٢٥٥] الآية.

وقال: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد:٣] ومثل هذا في القرآن كثير.

فهو تبارك وتعالى نور السموات والأرض كما أخبر عن نفسه وله وجه ونفس وغير ذلك مما وصف به نفسه ويسمع ويرى ويتكلم هو الأول لا شيء قبله والآخر الباقي إلى غير نهاية ولا شيء بعده والظاهر العالي فوق كل شيء والباطن بطن علمه بخلقه فقال: {وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:٣] قيوم حي لا تأخذه سنة ولا نوم.

وذكر: أحاديث الصفات ثم قال: فهذه صفات ربنا التي وصف بها نفسه في كتابه ووصفه بها نبيه وليس في شيء منها تحديد ولا تشبيه ولا تقدير {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١] لم تره العيون فتحده كيف هو؟ ولكن رأته القلوب في حقائق الإيمان. اهـ].

<<  <  ج: ص:  >  >>