هذا القانون متناقض من أوجه كثيرة؛ ولكن من أخص هذه الأوجه أن يقال: إن الدليلين إذا تعارضا فإن التقديم يقع باعتبار ظهور الدلالة، وهو ما يسمى بالدلالة القطعية والدلالة الظنية، والدليل فيه جهتان: جهة الثبوت وجهة الدلالة.
فإذا صار في المقام دليلان بينهما تعارض نظر في جهتي الدليل:
١ - جهة الثبوت.
٢ - جهة الدلالة.
فأيهما كان قطعي الثبوت قطعي الدلالة فإنه يقدم على ما يقابله؛ لأنه إذا تحقق في دليل من هذين الدليلين المتعارضين أنه قطعي الثبوت قطعي الدلالة لزم أن يكون الدليل الآخر ليس كذلك، لأنه لا يمكن أن يكون الدليل الآخر قطعي الدلالة قطعي الثبوت؛ حيث إنه لو أمكن هذا للزم التعارض بين القطعيين، وهذا ممتنع باتفاق العقلاء ..
فإذا جئنا إلى الدليل النقلي وهو: القرآن والسنة، وأخذنا القول في القرآن؛ فإن القرآن قطعي الثبوت بإجماع المسلمين، أما من جهة الدلالة فإن آيات الصفات قطعية الدلالة حسب سياق كلام العرب، فإن في قوله تعالى مثلاً:{رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ}[المائدة:١١٩] أضاف سبحانه الرضا إلى نفسه، أو في قوله تعالى:{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا}[المجادلة:١] أضاف السمع إلى نفسه، وهذا الإسناد الصريح -كما يسميه أهل اللغة- هو أصرح سياق في العربية، ومن قال: إن الدلالة في آيات الصفات ليست قطعية من جهة اللغة العربية.
يقال له: ليس هناك سياق قطعي في لسان العرب أكثر ظهوراً من سياق الإسناد الصريح.
إذاً: القرآن قطعي الثبوت قطعي الدلالة على آيات الصفات.
وبهذا يعلم أن كل دليل يعارض القرآن -سواء سمي دليلاً فلسفياً أو عقلياً أو كلامياً أو ما شابه ذلك- يمتنع أن يكون قطعي الثبوت قطعي الدلالة؛ لأن هذا الفرض يوجب التعارض بين القطعيين، وهو ممتنع باتفاق العقلاء.
هذا الطريق من أقوى طرق الرد التي اعتمدها شيخ الإسلام، وهو: تحقيق أن القرآن قطعي الثبوت -وهذا بدهي- وأنه قطعي الدلالة في آيات الصفات؛ لأن سياق آيات الصفات أصرح سياق عربي في لسان العرب، فإذا كان كذلك علم أن المقابل له على جهة المعارضة يمتنع أن يكون قطعي الثبوت قطعي الدلالة؛ لأنه يوجب التعارض بين القطعيين، وهذا ممتنع باتفاق عقلاء بني آدم.