للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حقيقة الخلاف بين جمهور أئمة أهل السنة وبين مرجئة الفقهاء]

إذا قيل: هل الخلاف بين حماد بن أبي سليمان والجمهور خلاف لفظي أو ليس لفظياً؟

قيل: هذا الحرف -وهو قولك: خلاف لفظي- صار فيه إجمال، فإن معنى هذا الحرف في كتب أهل أصول الفقه أي: الخلاف الذي ليس له ثمرة، فإن قصد أنه خلاف لا ثمرة له، وأنه نزاع لفظي محض فهذا ليس صحيحاً؛ لأن حماداً وأبا حنيفة ومن وافقهم مخالفون للكتاب والسنة في أنهم لم يجعلوا العمل إيماناً، وهذه مخالفة شرعية؛ ولهذا بدَّع السلف رحمهم الله من قال بهذه المقالة، وهم مخالفون كذلك للكتاب والسنة من جهة أنهم لم يروا تفاضل الإيمان، والدلائل متواترة في القرآن والحديث على أن الإيمان يتفاضل، وأنه يزيد وينقص، وإن كان لفظ النقص لم يصرح به في القرآن، ولم يصرح به في السنة في الجملة إلا في مثل قوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (وما رأيت من ناقصات عقل ودين).

ولهذا كان السلف يستدلون على نقص الإيمان بطريق إثبات الزيادة، فإن كل ما يزيد فإنه ينقص، قال الإمام أحمد لما سئل عن نقص الإيمان: ألم يقل الله تعالى: {وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى} [مريم:٧٦] قالوا: بلى.

قال: فكل ما يزيد ينقص.

وأما الاستدلال بحديث: (وما رأيت من ناقصات عقل ودين) فبعضهم لا يسلم به، معللاً ذلك بأن هذا ليس نقصاً من جهة تقصير العبد حتى يقال: الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وإنما هو أمر قضي على النساء، وهو ما يتعلق بتركها الصوم والصلاة في مسألة الحيض.

ولكن التحقيق: أن هذا الحديث دليل على نقص الإيمان؛ لأنه إذا وصف الدين بالنقص -والدين هو الإيمان- بما لا مقصد للعبد ولا أثر له فيه، فمن باب أولى إذا كان بأثره وتفريطه؛ أي: إذا كان الشارع سماه نقصاً مع أنه ليس من جهة العبد وأثره فلأن يكون نقصاً إذا كان من تفريط العبد من باب أولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>