للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مدى ارتباط الطبقة الثالثة بالطبقة الأولى]

[وأنا أعلم أن المتكلمين النفاة لهم شبهات موجودة، ولكن لا يمكن ذكرها في الفتوى، فمن نظر فيها وأراد إبانة ما ذكروه من الشبه فإنه يسير.

فإذا كان أصل هذه المقالة -مقالة التعطيل والتأويل- مأخوذاً عن تلامذة المشركين والصابئين واليهود].

لأن أول من تكلما بها وهما الجعد والجهم ليس لهم مقام صدق وفضل في الأمة، حتى عند جمهور مبتدعة الأمة كالمعتزلة؛ فإنهم لا يمتدحون الجعد والجهم، فإذا كان جمهور الأمة حتى من وقع منهم في البدع بل من طوائف أهل البدع الكبار كالمعتزلة يذمون الجعد والجهم علم أن أصل هذه المقالة التي أسسوها ونشروها مقالة باطلة.

[فكيف تطيب نفس مؤمن بل نفس عاقل أن يأخذ سبيل هؤلاء المغضوب عليهم أو الضالين ويدع سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟!!].

والشأن: هو أن يفقه طالب العلم الاتصال بين الطبقة الثانية -وهي طبقة المعتزلة وأمثالها- والطبقة الثالثة -وهي طبقة المتأخرين ممن انتسب للسنة والأئمة من متكلمة الصفاتية وأمثالهم- وحينما يقال: أن يفقه الاتصال.

فإن هذا الاتصال لا شك أنه ليس على جهة التطابق، فإن الأشاعرة يخالفون المعتزلة في مسائل كثيرة مخالفةً حقيقية، ولكنهم يتفقون معهم في كثير من المسائل في الصفات، وإن كان الأشعرية يظنون في كثير من الموارد أنهم برآء من مذهب المعتزلة.

ففقه هذا المقام هو الذي يحصل به زوال الإشكال؛ لأن مذهب المعتزلة لم يندفع إليه في الجملة أئمة الفقه -أعني: المتأخرين منهم- ومن اشتهر بالعلم، إنما الذي شاع وأشكل وتأثر به أو انتحله خلق من فضلاء أهل العلم الكبار هو مذهب أبي الحسن الأشعري، فإن كثيراً من أصحاب مالك والشافعي ممن لهم مقام في العلم، وتحصيل معروف، وإمامة عند المسلمين -سواء في الفقه أو في أصول الفقه أو في الحديث، أو في مقامات الأحوال والتعبد- كانوا يسلكون هذا المسلك الذي يظنونه بريئاً من البدعة، وهو في نفس الأمر من مقامات ومذاهب أهل البدع، لكنهم لم يتفطنوا في الجملة لهذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>