[القول في الصفات كالقول في الذات]
يكون الاستدلال بهذه القاعدة على ثبوت الصفات بهذه الطريقة: اتفق أهل القبلة على أن الله سبحانه وتعالى له ذات حقيقة لا تشابه الذوات، وأنه موجود سبحانه وتعالى قائم بنفسه غني عن خلقه ..
فكما أن له ذاتاً حقيقة فكذلك له صفات حقيقة، والقول في الصفات فرع عن القول في الذات.
فمن قال: إن إثبات الصفات يستلزم أن تكون كصفات المخلوقين.
قيل له: إن الصفات تابعة للذات، فكما أن الذات لا تشابه ذوات المخلوقين والمحدثات فإن الصفات كذلك؛ ولهذا اتفق المسلمون بل وجماهير بني آدم -إلا من غلا وألحد في الربوبية إلحاداً يختص به- على أن الله موجود، وهذا حكم بدهي، وببداهة العقول فإن المخلوقات موجودة؛ وقد عني شيخ الإسلام بتقرير مسألة الوجود في كتبه الكبار؛ لأنها أصل في هذا الباب في الرد على المخالف، وهي ترجع إلى قاعدة: أن الاشتراك في الاسم المطلق لا يستلزم التماثل في الحقيقة عند الإضافة والتخصيص.
وتطبيق هذه القاعدة -وهي قاعدة فاضلة- هو: أنه ببداهة العقول أن الباري سبحانه وتعالى موجود، وأن المخلوقات موجودة.
فترى أنه صار اشتراك في الاسم المطلق بين الخالق والمخلوق، وهو اسم الوجود المجرد عن الإضافة والتخصيص، فإذا قيل وجود الله فهم منه لائق به سبحانه ليس كوجود خلقه، وإذا قيل وجود المخلوقات فهم منه وجود ناقص قاصر ليس كوجود الخالق؛ ولهذا كان وجوده سبحانه وتعالى باتفاق المسلمين -بل وعامة بني آدم- واجباً، وسائر المخلوقات ممكناً.
فهل أوجب الاتفاق في الاسم المطلق في الوجود أن يكون الوجود كالوجود؟
الجواب بالبداهة العقلية: لا.
فإذا كان كذلك فما الغرض هنا؟ هل المخالف يناقش في مسألة الوجود؟
الجواب: لا، ولكنا نستدل بالمؤتلف أو المتفق على ما زعموه مختلفاً أو متشابهاً، فيقال: القول في السمع والبصر مع المعتزلة كالقول في الوجود، فكما أن له وجوداً يليق به وللمخلوق وجوداً يليق به فله سمع وبصر يليق به وحياة وعلم وقدرة وكلام
وهلم جراً من صفات الكمال تليق به، وللمخلوق من هذه الصفات ما يليق به، والاشتراك في الاسم المطلق لا يستلزم التماثل في الحقيقة عند الإضافة والتخصيص، فإن زعموه مستلزماً قيل: يلزمكم هذا في اسم الوجود.
ولهم على هذا بعض الجوابات المتكلفة التي -كما قال المصنف- لا تزيد الأمر إلا سوءاً، فمنهم من قال: إن الوجود مقول بالاشتراك اللفظي ..
وهذا ليس بجواب؛ لأنه لو صح هذا الجواب -والذي زعم الرازي أنه قول لـ أبي الحسن وهو غلط عليه، فإنه ليس من أقواله- للزم أن وجود الله لا يعرف؛ لأن المشترك اشتراكاً لفظياً لا يفقه معنىً بنسبة أخرى من المعنى المقابل كما تقول: المشتري -المقابل للبائع- وتقول المشتري الكوكب، وتقول سهيل بن عمرو وسهيل الكوكب ..
وهلم جراً.
ففي الحقيقة ليس لهم للتخلص من هذا الاستدلال إلا مقالات تزيد الأمر شدة وضلالاً عندهم.