[حقيقة أدلة المعتزلة في نفي الرؤية]
قد يقول قائل: إننا نرى أن المعتزلة نفوا الرؤية، واستدلوا لنفيها بقوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:١٠٣] واستدلوا بقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} [الأعراف:١٤٣] وهذان الدليلان دليلان تفصيليان فكيف نقول: إن المعتزلة لم يستدلوا بدليل تفصيلي في أي صفة مع أن هذين الدليلين مبسوطان في كتبهم؟
نقول: بغض النظر عن كون الاستدلال بهذين الدليلين من القرآن غلطاً، ولكن هب جدلاً أن الآيتين تدلان على نفي الرؤية؛ فإن غاية ما يمكن أن يقال: إن في الآيتين نفياً للرؤية؛ لا تدركه هذا نفي، لن تراني هذا نفي.
فلو فرضنا جدلاً أن في الآيتين نفياً للرؤية فهل المعتزلة تنفي الرؤية؟
الجواب: المعتزلة تنفي الرؤية نفي امتناع، بمعنى أنها تقول: إن الرؤية ممتنعة على الله.
والذي في القرآن أقصى ما يمكن أن يدل عليه هو النفي فقط، ومن المعلوم أن المنفي لا يلزم أن يكون ممتنعاً؛ فإن الشيء قد ينفى وهو ليس ممتنعاً، لكن لعدم ثبوت سنده، وإذا كان يتعلق بالله سبحانه لعدم مشيئته.
إذاً: الشيء ينفى إما لكونه ممتنعاً في ذاته أو لكونه لم يشأه الله، والقرآن إنما نفى فقط، فلو كان المعتزلة يقفون عند القرآن المفصل لقالوا: الرؤيا منفية، والله أعلم هل تصح أو لا تصح؟
لكنهم لم يقفوا عند هذا، بل قالوا: الرؤية ممتنعة؛ مع أن الامتناع درجة أقوى من النفي المطلق، فهم قالوا قولاً أخص مما دل عليه ظاهر القرآن الذي لو فرض جدلاً أنه يدل على قولهم؛ وهذا يدل على أن المذهب زاد على الدلالة القرآنية.
ومن هنا نقول: إن المعتزلة لا دليل لهم تفصيلي من القرآن في كل مسائل الصفات.
إذاً: لما رأى القوم معارضة القرآن لنتيجتهم -التي هي نفي الصفات- أرادوا تأويل القرآن إلى قولهم، فجاءوا بنظرية المجاز هذه، وهذا هو الذي جعل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يهاجم مسألة المجاز بقوة، فهم قالوا: إن جميع ما ورد في صفات الباري هو من باب المجاز، ومن قواعدهم التي قرروها في المجاز: إن المجاز يصح نفيه.
وبهذا قرروا أنه ليس في القرآن دليل واحد على إثبات صفة واحدة؛ لأن كل الآيات من باب المجاز، والمجاز يصح نفيه ..
ولا شك أن هذا من الطعن في القرآن.
ولو فرض جدلاً صحة نظرية المجاز كنظرية لغوية فإن تطبيقها في مسائل الصفات ممتنع، وهذا له تفصيل آخر ليس هذا مقامه.
لكن المهم فهمه هو سبب قصد شيخ الإسلام رحمه الله قصداً شديداً إلى رد مسألة المجاز.