لابد للناظر في كلام الطوائف، وما قررته في مسائل أصول الدين، أن ينتبه عند القول في هذه الطوائف للفرق بين القائل ومقالته.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: ما من إمام من أئمة المتكلمين إلا وفي كلامه ما هو كفر.
وهذا من جهة المقالات، بمعنى أنه قد وقعت مقالات لهؤلاء -وفي الجملة أن الطوائف الكلامية المحضة لم تنفك عن هذه المقالات- هي من جهة الحكم الشرعي كفر، ومع ذلك لا يعني هذا أن القائل بها يلزم أن يكون كافراً، فإن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بأنه استوى على العرش في سبعة مواضع من القرآن، فإذا جاءت طائفة ولم تثبت هذا الاستواء فإن حقيقة هذا -أعني: من جهة الحقيقة في نفس الأمر- نفي للخبر الذي أخبر به في القرآن، فمن هذا الوجه كان هذا النفي كفراً، لكن القائل به إن كان قاله تكذيباً للقرآن وقال: القرآن لا يصدق في هذا.
فلا شك أن هذا يكون كافراً بعينه، وهذا لم يقع في أحد من أهل القبلة، لكن من تأول هذا تأولاً فهذا هو الذي يفصل السلف في شأنه، فلا نقول: إن السلف لا يكفرون، ولا نقول: إن السلف يكفرون، وإنما نقول: هذا هو الذي فصل السلف في شأنه.
ولهذا مع أن شيخ الإسلام رحمه الله قال المقالة المتقدمة، إلا أنه يقول في موضع آخر: ويعلم أن الواحد من أهل الصلاة والشعائر الظاهرة -أي: من يظهر الصلاة والشعائر الظاهرة- لا يكون كافراً في نفس الأمر -أي: عند الله- إلا إن كان ما يظهره من الصلاة ونحوها على جهة النفاق.
وهذا الكلام من المهم أن ينظر فيه، لأنه يتعلق بموضوع مهم في هذا العصر، وهو موضوع التكفير الذي يقع فيه إفراط أو تفريط.
ولـ شيخ الإسلام كلام كثير في هذا، منه رسالة لطيفة في المجلد الثالث من الفتاوى شرح فيها حديث الافتراق الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من رواية أبي هريرة وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر وغيرهم أنه صلى الله عليه وسلم قال:(افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة).
وهذا الحديث قد تكلم فيه الأئمة، فمنهم من ضعفه، كـ أبي محمد بن حزم، ومنهم من صححه.