[وقال القاضي أبو يعلى في كتاب إبطال التأويل لا يجوز رد هذه الأخبار ولا التشاغل بتأويلها والواجب حملها على ظاهرها وأنها صفات الله لا تشبه صفات سائر الموصوفين بها من الخلق; ولا يعتقد التشبيه فيها; لكن على ما روي عن الإمام أحمد وسائر الأئمة.
وذكر بعض كلام الزهري ومكحول ومالك والثوري والأوزاعي والليث وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وسفيان بن عيينة والفضيل بن عياض ووكيع وعبد الرحمن بن مهدي والأسود بن سالم وإسحاق بن راهويه وأبي عبيد ومحمد بن جرير الطبري وغيرهم في هذا الباب.
وفي حكاية ألفاظهم طول.
إلى أن قال: ويدل على إبطال التأويل: أن الصحابة ومن بعدهم من التابعين حملوها على ظاهرها; ولم يتعرضوا لتأويلها ولا صرفوها عن ظاهرها; فلو كان التأويل سائغاً لكانوا أسبق إليه; لما فيه من إزالة التشبيه ورفع الشبهة.].
ننبه هنا إلى أن المتقدمين قبل هذا العصر كانوا يتوسعون في نقل اسم الكتاب، ومن أمثلة ذلك: أن شيخ الإسلام حينما يذكر كتابه درء تعارض العقل والنقل يسميه في كتبه بأسماء متقاربة، فتارةً يقول: وقد ذكرنا في درء تعارض العقل والنقل، وتارة يقول: وقد ذكرنا فيما صنفناه في موافق المنقول للمعقول
أو نحو هذه العبارات.
وهنا يقول: إبطال التأويل، وقد طبع هذا الكتاب باسم إبطال التأويلات وهو للقاضي أبي يعلى الحنبلي، من أئمة الحنابلة الكبار، وهو على مذهب أهل السنة والجماعة، المائلين عن علم الكلام وأهله، لكنه رحمه الله وافق كثيراً من المقالات التي عليها أصحاب أبي الحسن الكبار في مسائل الصفات الفعلية، وإن كان رجع عن كثير من ذلك، وإن لم يستتم الرجوع، لكن لا شك أن حاله المتأخرة والأخيرة ليست كحاله الأولى، ففي حاله الأولى كان موافقاً موافقةً ظاهرة للكلابية وفضلاء الأشعرية، لكنه فيما بعد رجع عن كثير من ذلك.
فهو في الجملة إمام محقق، وقد صنف كتابه إبطال التأويلات رداً على كتاب تأويل الأخبار لـ أبي بكر بن فورك الأشعري، وقد تقدم ذكر هذا الكتاب في قول المصنف: وهذه التأويلات الموجودة اليوم بأيدي الناس مثل أكثر التأويلات التي يذكرها أبو بكر بن فورك.
وفي زمن القاضي أبي يعلى حصل نزاع مشهور في زمن الدولة السلجوقية بين الأشعرية والحنبلية، وكان ذلك في زمن أيضاً يقارب زمن أبي القاسم القشيري، حيث صنف القشيري رسالة الشكاية، فحصل بين الأشاعرة والحنابلة بعض الاختلاف الشديد، وكان السلطان إذ ذاك مائلاً إلى الحنابلة في الجملة.
وهذا الخلاف مشهور عند أهل التاريخ والأخبار، وقد ذكر شيخ الإسلام رحمه الله طرفاً منه.
ولـ أبي يعلى كذلك تصنيف فاضل في الإيمان، وهو باسم كتاب الإيمان، وهو مطبوع أيضاً.