[الاشتراك أو التواطؤ في اللفظ لا يستلزم التطابق في المعنى في سائر السياقات]
[فإن العبد تارة يعنى به المعبد فيعم الخلق كما في قوله: {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً} [مريم:٩٣] وتارةً يعنى به العابد فيخص ثم يختلفون، فمن كان أعبد علماً وحالاً كانت عبوديته أكمل، فكانت الإضافة في حقه أكمل، مع أنها حقيقة في جميع المواضع].
مقصود المصنف من هذه الأمثلة: أن الاشتراك أو التواطؤ في اللفظ بقدر لا يستلزم التطابق في المعنى في سائر السياقات، وهذا ما سماه البعض الألفاظ المشككة، وهو ما يكون متواطئاً بقدر ولكنه يكون في بعض المعاني والسياقات أحق، كما تقول: بياض الثلج وبياض الفرس، فنسبة البياض في الثلج ليست كبياض الفرس.
فاللفظ في الموردين لفظ مشكك، هكذا يقولون من جهة أنه في الثلج أتم ثبوتاً، وقد رجح المصنف أن حقيقة المشكك نوع من المتواطئ.
[فمثل هذه الألفاظ يسميها بعض الناس مشكِكةً، لتشكك المستمع فيها هل هي من قبيل الأسماء المتواطئة أو من قبيل المشتركة في اللفظ فقط، والمحققون يعلمون أنها ليست خارجة عن جنس المتواطئة، إذ واضع اللغة إنما وضع اللفظ بإزاء القدر المشترك، وإن كانت نوعاً مختصاً من المتواطئة فلا بأس بتخصيصها بلفظ.
ومن علم أن المعية تضاف إلى كل نوع من أنواع المخلوقات كإضافة الربوبية مثلاً، وأن الاستواء على الشيء ليس إلا للعرش، وأن الله يوصف بالعلو والفوقية الحقيقية، لا يوصف بالسفول ولا بالتحتية قط لا حقيقةً ولا مجازاً؛ علم أن القرآن على ما هو عليه من غير تحريف].
أي: أن القرآن على ما هو عليه من غير تأويل في مسألة العلو ومسألة المعية، وقد تقدم أن الفاضل في المناظرة أنه إذا كان النافي ينفي شيئاً من الصفات ألا يسلم له أن يستعمل الألفاظ المجملة المشتركة، فمن ينفي العلو ويقول: إن الله ليس في جهة.
يقال له: أخبرنا عن العلو والفوقية؟ فإن قال: إن الله ليس علياً ولا فوق العالم فإنه يكون أتى على المخالفة الصريحة لما في الكتاب والسنة؛ لأن الله قال: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:١] وقال في كتابه: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:٥٠] وأمثال ذلك؛ ولهذا بعض المتأخرين ممن قصدوا مذهب أهل السنة جمعوا بين إثبات اللفظ الشرعي الثابت فقالوا: إن الله هو العلي الأعلى، وأنه فوق خلقه بائن عنهم، وأنه ليس في جهة.
فقولهم: ليس في جهة، بقية بقيت عليهم من مذهب المخالفين، وحينما نقول: إنها بقية بقيت عليهم من مذهب المخالفين فإننا لا نقصد أن الحق أن يقولوا: إن الله في جهة؛ لأن هذا الحرف باستعمال المستعملين له صار لفظاً مجملاً، وإنما يلتزم اللفظ الشرعي.
أما لفظ الجهة فهو لفظ مجمل حادث يفصل في معناه: فإن كان معنىً صواباً قبل، وإن كان غير صواب رد، واللفظ من حيث هو يتوقف فيه، فلا يطلق إثباتاً ولا نفياً.