المقصد السابع: عناية المصنف بعد هذه النقولات بالجمع بين العلو والمعية؛ وهو يقرر أنه ليس في شيء من نصوص الكتاب والسنة تعارض، وليس في شيء من نصوص الكتاب والسنة ما يعارض العقل، بمعنى: أن النصوص لا تعارض بينها من حيث النص مع النص، ولا تعارض بين النصوص والدلائل العقلية الصحيحة.
وأخص ما شغب به كثير من أهل التأويل على السلف: مسألة المعية، حيث قال السلف في المعية العامة: إن الله مع خلقه بعلمه وإحاطته، وفي المعية الخاصة قالوا: بنصره وولايته وتأييده.
فيبين المصنف أن هذا ليس من باب تأويل المعية، وأن المعية لا تناقض علو الرب سبحانه وتعالى، فالله هو العلي الأعلى، وهو فوق سماواته مستوٍ على عرشه بائن عن خلقه، وهو مع سائر خلقه بعلمه وإحاطته، ومع أوليائه بنصره وتأييده.
وذلك لأن لفظ مع في العربية لا يستلزم الحلول والذاتية، بل هو لمطلق المقارنة والمصاحبة، وهذه المقارنة والمصاحبة قد تكون مماسة، أو قد تكون علمية، أو قد تكون نصراً وتأييداً بحسب السياق، وسياقها في القرآن يمتنع أن يكون يقصد به المماسة والذاتية والحلول؛ لأنه في حق الرب سبحانه.
إذاً هي مفسرة في المقامين: إما بالعلم والإحاطة أو بالنصر والتأييد، وإن كانت قد تستعمل في الذاتية والمماسة والحلول بين المخلوقات، كما إذا قيل مثلاً: عقلي معي أو يدي معي أو كتابي معي.
فقد يكون مماساً حالاً كما هو في مسألة العقل، أو مماساً كما هو في مسألة: كتابي معي.
لكن هذه الفروضات ليست لازمة في مسألة المعية، حتى بين المخلوقات؛ فإن العرب تقول: ما زلنا نسير والقمر معنا.
ومع ذلك لم يلزم أن يكون حالاً أو مماساً، وإذا كان هذا متحققاً في المخلوقات بعضها مع بعض في معيتها فهو في حق الخالق من باب أولى.