المشهور في كلام المتأخرين من أهل الحديث وأهل أصول الفقه والمتكلمين أن المتواتر: هو ما رواه جماعة عن جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب، وأسندوه إلى شيء محسوس.
ولما تكلموا في هؤلاء الجماعة منهم من قال: عشرة، ومنهم من زاد على ذلك.
وبهذا يكون المتواتر هو ما يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم عشرة، وعن هؤلاء العشر مائة، وعن هؤلاء المائة ألف
على هذا الترتيب.
ولهذا قال بعض متأخري الحفاظ كابن الصلاح بأنه لم يقف على مثال معين لهذا من السنة.
فهذا الحد للمتواتر لا شك أنه غلط على سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإن أئمة الحديث لم يكونوا على مثل هذا، وإن كان متقدمو أئمة الجرح والتعديل كـ البخاري وابن المديني وأحمد بن حنبل، وأمثال هؤلاء قد تكلموا في الأحاديث المفردة، حتى إنهم ردوا كثيراً من الأحاديث باعتبار التفرد، وإن لم يكن التفرد دائماً عندهم مردوداً.
لكن هذا التقسيم معناه أن يكون عامة السنة النبوية حتى المخرجة في الصحيحين، وحتى الأحاديث المتلقاة بالقبول عند الأمة آحاداً وليست من المتواتر ..
وهذا تكلف؛ فإن هذا الحد لا يدل عليه الشرع ولا تدل عليه اللغة، ولا يدل عليه المقصد الذي بعث به النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يبعث الواحد من أصحابه بتقرير مسائل أصول الدين من التوحيد وغيره إلى قوم من الكفار، وربما كانوا قوماً تختلف عقائدهم كالمشركين وعبدة الأوثان مع أهل الكتاب، كما بعث معاذاً إلى اليمن وفيها اليهود والنصارى وعبدة الأوثان.
فهذا الحد ينبه إلى خطئه وإن كان شائعاً في كتب المصطلح المتأخرة.