الأول: القتال الذي وقع في زمن أبي بكر، حيث ارتد أقوام عن أصل الإسلام، وجحد آخرون وجوب الزكاة، وهذان الصنفان لا نزاع بين أهل العلم ألبتة في كونهما من أهل الردة، وإنما وقع الخلاف في الصنف الثالث، وهم الذين منعوا دفع الزكاة ولم يجحدوا وجوبها.
فهذا الصنف قد ثبت بالسنة أن أبا بكر رضي الله عنه قد قاتلهم، فهل كانوا مرتدين أم كانوا من أهل البغي؟
اختلف في هذا المتأخرون من أصحاب الأئمة الأربعة، وجمهور الفقهاء من أصحاب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وطائفة من الحنابلة -كما يذكره الخطابي والنووي وغيرهم- أنهم من أهل البغي وليسوا من أهل الردة.
لكن الذي عليه جمهور السلف كأئمة المدينة النبوية مالك وغيره، وكالإمام أحمد رحمه الله، وجمهور العراقيين، والشاميين من الأئمة الكبار أن هؤلاء مرتدون عن أصل الإسلام، ووجه الردة التي لحقتهم: من جهة أنهم منعوا الزكاة وقاتلوا عليها.
إذاً: مذهب الجمهور من السلف: أن من قاتل على منع الزكاة فإنه يكون كافراً، وهذا بخلاف من ترك الزكاة ولم يقاتل عليها؛ فقد كان الإمام مالك بل والإمام أحمد في الراجح من مذهبه يرون أن تارك الزكاة ليس كافراً؛ ولكنه لم تختلف الرواية عن مالك، وكذلك هو الصواب في مذهب أحمد، وهو الذي رجحه كثير من محققي الحنابلة: أنه إن قاتل على ترك الزكاة فإنه يكون كافراً عملاً بسنة الصحابة.
وقد حكى أبو عبيد -وهو من الأئمة الكبار- أن مذهب الصحابة قاطبةً أن هؤلاء مرتدون، وكذلك شيخ الإسلام رحمه الله يميل إلى أن هذا القول يقارب أن يكون إجماعاً، وإن كان لا يجزم به على التمام.
إذاً: في مسألة ترك المباني الأربعة نزاع بين الأئمة، من جهة كونه كفراً أو لا، لكن الجماهير من السلف على أن ترك الصلاة كفر، وإن كان في هذا نزاع يذكر عن مالك والشافعي وأبي ثور ومحمد بن شهاب الزهري ومكحول الشامي، لكن حكى إسحاق بن إبراهيم الحنظلي -المشهور بـ ابن راهويه - وأيوب السختياني الإجماع على أن ترك الصلاة كفر، وهو ظاهر كلام عبد الله بن شقيق الذي رواه الترمذي وغيره.
أما الزكاة ففي كفر تاركها نزاع إذا لم يقاتل عليها، أما إن قاتل عليها فلم يحفظ عن إمام من أئمة السلف التصريح بأنه لا يكون كافراً.
وأما القول في الصوم والحج فهو محل نزاع، وفيه روايتان عن الإمام أحمد رحمه الله.