[الاستدلال بإنكار مشركي العرب نصوص المعاد بخلاف نصوص الصفات على قبول العقل للصفات]
[ويقولون لهم: معلوم أن مشركي العرب وغيرهم كانوا ينكرون المعاد.
وقد أنكروه على الرسول وناظروه عليه، بخلاف الصفات فإنه لم ينكر شيئاً منها أحد من العرب].
وهذا قياس فاضل؛ فإن العرب في جاهليتهم نازعوا في مسألة المعاد، وغيرهم من طوائف المشركين -الذين بعث فيهم الرسل- كانوا ينازعون في مسألة المعاد؛ لكن مسألة الصفات لم يقع فيها نزاع؛ ولهذا قال الله عنهم:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا}[التغابن:٧] وقال: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ}[يس:٧٨] وقال: {وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً}[الإسراء:٤٩] وهلم جرا، لكنه في مسائل الصفات لم يعترض أحد من المشركين على ثبوت صفة مضافة إلى الله.
[فعلم أن إقرار العقول بالصفات أعظم من إقرارها بالمعاد، وأن إنكار المعاد أعظم من إنكار الصفات].
هذا الحرف من كلام المصنف فيه بعض التردد، ولعل فيه إما تصحيفاً أو غلطاً من النساخ أو أنه يحمل على مقصود ما؛ وذلك لأنه قال: وأن إنكار المعاد أعظم من إنكار الصفات.
وكان الافتراض المبدئي أنه يكون العكس، أي: أن إنكار الصفات أعظم من إنكار المعاد.
فإن فرضنا أن السياق من حيث اللفظ على وجهه وهذا محتمل، فإنه يفسر بمعنى يناسبه، وهو أن معنى العبارة: أن إنكار المعاد أقرب إلى الفرض العقلي من إنكار الصفات؛ ولهذا المشركون عقولهم فرضت إنكار المعاد ولم تفرض إنكار الصفات.
إذاً قوله: أن إنكار المعاد أعظم من إنكار الصفات.
لا يفهم منه أنه أعظم في الشرع أو في العقل ..
ولكنه يحمل على -إن سلمت العبارة من التصحيف- معنى أي: أظهر في الفرض العقلي من إنكار الصفات، ولهذا المشركون فرضت عقولهم إنكار المعاد ولم تفرض إنكار الصفات.
[فكيف يجوز مع هذا أن يكون ما أخبر به من الصفات ليس كما أخبر به؟ وما أخبر به من المعاد هو على ما أخبر به؟!].