للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أثر عقيدة نفي العلو على الأمة]

[ثم عن السلف في ذلك من الأقوال ما لو جمع لبلغ مئين أو ألوفاً].

وهذا متواتر في كتب السنة.

[ثم ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من سلف الأمة -لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان، ولا عن الأئمة الذين أدركوا زمن الأهواء والاختلاف- حرف واحد يخالف ذلك لا نصاً ولا ظاهراً، ولم يقل أحد منهم قط: إن الله ليس في السماء، ولا إنه ليس على العرش، ولا إنه بذاته في كل مكان، ولا إن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء، ولا إنه لا داخل العالم ولا خارجه، ولا إنه لا متصل ولا منفصل، ولا إنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه بالأصابع

ونحوها.

بل قد ثبت في الصحيح عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب خطبته العظيمة يوم عرفات في أعظم مجمع حضره الرسول صلى الله عليه وسلم جعل يقول: (ألا هل بلغت؟ فيقولون: نعم.

فيرفع إصبعه إلى السماء ثم ينكبها إليهم ويقول: اللهم اشهد) غير مرة، وأمثال ذلك كثيرة].

وهذا كان في حجة الوداع، وقد ذكر الحاكم رحمه الله أن عدة من حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم أو وافوه في حجه في عرفة مائة ألف وبضعة عشر ألفا.

فكيف يسع أحد أن يقول بأن الله سبحانه وتعالى لا يصح السؤال عنه بأين مع أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن ربه بأين؟

كيف يسعه أن يقول: إن الله ليس في السماء، ثم يقول: إنه لا داخل العالم ولا خارجه؟

فإن من يقول: إنه لا داخل العالم ولا خارجه ..

هذا رفع للنقيضين حقيقة وإثبات للعدم؛ ولهذا لم تنقل هذه الجملة إلا عن أئمة المتفلسفة كـ ابن سينا وأمثاله الذين لم يكن من تلقوا عنه -وهو أرسطو طاليس - يثبت رباً خالقاً لهذا العالم، بل كان يثبت علةً غائية، وهو - أرسطو طاليس - أصلاً لم يتكلم في مسألة واجب الوجود فضلاً عن الخالق ..

الخ، إنما كان يتكلم في مسألة العلة والمعلول، ومقصوده بالعلة: ليس العلة الفاعلية إنما العلة الغائية، ولهذا كان يثبت قدم المعلول ويرى أن العلة تتقدم على معلولها بالشرف والعلية وليس بالسبق الزماني.

هذه المذاهب هي التي شاعت -مع الأسف- في كثير من متكلمة المسلمين، وبسببها -أي: بسبب القول: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه- شاع الحلول عند غلاة الصوفية كـ ابن عربي وابن سبعين والعفيف التلمساني وابن الفارض

وأمثال هؤلاء الذين مالوا إلى نقيض مذهب نفي العلو، وهو القول بوحدة الوجود التي قررها ابن عربي في الفصوص والحكم، وزعم أنها مأخوذة من مشكاة خاتم الأولياء، وأنها لم يشر إليها في القرآن إشارة صريحة.

وقد ذكرها ابن سبعين في رسائله كرسالة بد العارف، وذكرها ابن الفارض في نظمه السلوك، وهو يذكر مسألة التوحد، مع أنه حاول أن يبين أن طريقته طريقة شرعية، لذلك حاول الاستدلال ببعض الصور التي وقعت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كمجيء جبريل في صورة دحية بن خليفة الكلبي، أو طريقة تنزل الوحي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فهو يقول بمسألة وحدة الوجود، ولكنه يحاول دعوى أن طريقته مبنية على الكتاب والسنة، والكتاب والسنة براء من طريقته.

فهو يقول بعد أن ذكر نظماً طويلاً حكى فيه قصة مجيء جبريل على صورة دحية، قال:

ولي من أتم الرؤيتين إشارة ... تنزّه عن رأي الحلول عقيدتي

وفي الذكر ذكر اللبس ليس بمنكر ... ولم أعْدُ عن حُكْمَي كتاب وسنةِ

ولا شك أنه لم يقع على حكم الكتاب ولا على حكم السنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>