للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[علم الكلام علم مولد ليس من علوم الإسلام]

مقصود المصنف رحمه الله من هذا أنه ليس له غرض في تعيين أحد بعينه، وإنما يصف نوع هؤلاء -أي: السلف- من جهة ما حصلوه من الحق وما التزموه من الوحي، وما وقع فيه المخالفون لهم من أصناف الطوائف، وخاصة أن إسناد الطوائف الكلامية يترقى في الضلال، بمعنى أنه يترقى من الأقرب إلى الحق إلى الأبعد عن الحق، ولهذا في الغالب أن الإسناد كلما يترقى يقع الغلط فيه أكثر، وإن كان هذا ليس بالضرورة أن يكون مطرداً، لكن أصول هذه المقالات -وهذه المسألة يعنى شيخ الإسلام بتقريرها، وهو أخص من قررها في المتأخرين؛ ولابد لطالب العلم أن يفقهها: وهي أن المذاهب الكلامية بأسرها معتزلةً أو أشعريةً أو ماتريدية- مذاهب مولدة من مقدمات فلسفية، وهذا لا يقع فقهه إلا لمن نظر في هذه الكتب بالتأمل، فترى أن القواعد الفلسفية التي كانت تُنقل عن أرسطو طاليس أو غيره هي أصول في هذه المذاهب، وإن كانت هذه المذاهب حتى المعتزلة مذاهب مولدة وليست مذاهب فلسلفية منقولة -أي: صريحة-.

ومن هنا كان علم الكلام ليس علماً له سابقة قبل الإسلام، فلو بحث باحث في التاريخ قبل الإسلام فإنه لا يجد علماً يسمى علم الكلام، فهو علم نشأ في المسلمين، لكنه مولد من الفلسفة مع مقاصد من العقل بل ومقاصد من الشرع المجمل؛ ولهذا لا تعجب أن ترى في كتب المتكلمين بعض الاستدلال ببعض الآيات، ولكن كما تقدم أنه في المعتزلة خاصة لا يتحصل استدلال مفصل بالقرآن، وإن كانوا قد يستدلون، لكن لا تجد التطابق بين الاستدلال والمذهب، وهذا بخلاف الأشاعرة، فإنهم قد يستدلون بآيات من القرآن ويكون الغلط من جهة استدلالهم.

المحصل: أن العلم الكلامي علم مولد، وقد شهد بعض أعيان المتكلمين الكبار على علم المعتزلة -وهو علم كلامي- أنه علم فلسفي، ونقول: هذه الشهادة تنقلب حتى على المذهب الأشعري؛ لأنه أخذ جزءاً من مذهب المعتزلة سواء كان ذلك في الدلائل أو في المسائل، فهم في هذا القدر وافقوا المعتزلة، وبهذا القدر وافقوا أهل السنة، والدليل على ذلك: أنه قبل عبد الله بن سعيد بن كلاب كان الناس أحد صنفين:

الأول: مثبتة للصفات على طريقة السلف.

الثاني: نفاة للصفات على طريقة المعتزلة والجهمية.

وإن كان هناك مشبهة الصفات، إلا أن هؤلاء شأنهم ظاهر، لكن أخص الأصناف ما يتعلق بمثبتة الصفات وهم السلف، أو نفاة الصفات وهم الجهمية والمعتزلة، ثم جاء الكلابية والأشعرية والماتريدية فأثبتوا بعض الصفات ونفوا بعضاً؛ ولهذا تجد دلائل الأشاعرة في محل الإثبات تقارب كثيراً دلائل السلف، وتجدهم في موضع النفي ينسجون على نفس دلائل المعتزلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>