[ويقول الآخر منهم: لقد خضت البحر الخضم، وتركت أهل الإسلام وعلومهم، وخضت في الذي نهوني عنه، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لفلان، وها أنا أموت على عقيدة أمي].
هذا النقل لإمام الحرمين أبي المعالي الجويني، وهو من كبار أئمة الأشعرية، وقد تقدم أنه ممن مال بالمذهب الأشعري عن طريقة المتقدمين لكثرة عناية الأشاعرة في زمنه بمسألة الرد على أصناف المخالفين، بما في ذلك بعض الطوائف الفقهية وبخاصة الحنابلة، وقد صنف كتباً من أخصها كتاب الشامل، وكتاب اللمع، وكتاب: الإرشاد إلى قواطع الأدلة وكما يظهر من وسم هذا الكتاب أن الجويني يقرر في هذا الكتاب قواطع من الأدلة، ولهذا استعمل الجزم الصريح في هذا الكتاب.
ثم في الرسالة النظامية رجع عن أكثر ما قرره في هذا.
ففي الرسالة النظامية رجع في مسألة الصفات عن التأويل إلى التفويض، وفي مسألة القدر رجع عن مسلك الأشعرية في مسألة الكسب، وأن العبد له إرادة مسلوبة التأثير، إلى قول مركب من قول أهل السنة وقول المعتزلة ونزعة فلسفية، فصار قوله في الجملة قولاً مركباً، ليس سلفياً محضاً وليس معتزلياً محضاً وليس فلسفياً محضاً، إنما فيه تركيب من أوجه كثيرة، مع بقية بقيت عليه من قول أصحابه.