[الكلام عن لفظ الظاهر]
[وناجوه كل يراه فوقه قبل وجهه كما يرى الشمس والقمر، ولا منافاة أصلاً.
ومن كان له نصيب من المعرفة بالله والرسوخ في العلم بالله؛ يكون إقراره للكتاب والسنة على ما هما عليه أوكد.
واعلم أن من المتأخرين من يقول: مذهب السلف إقراره على ما جاءت به، مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد، وهذا اللفظ مجمل فإن قوله: ظاهرها غير مراد.
يحتمل أنه أراد بالظاهر نعوت المخلوقين وصفات المحدثين؛ مثل أن يراد بكون الله قِبَل وجه المصلي أنه مستقر في الحائط الذي يصلي إليه، وإن الله معنا ظاهره أنه إلى جانبنا ونحو ذلك، فلا شك أن هذا غير مراد.].
لفظ الظاهر من جهة اللغة قد لا يكون مجملاً، فإن له دلالة متعينة من جهة اللغة في الجملة، وهو وإن لم يرد ذكره في الكتاب والسنة في مقام الأسماء والصفات، إلا أنه قد ورد ذكره في القرآن في سياق آخر، كقوله تعالى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام:١٢٠] لكنه باستعمال المستعملين له صار فيه إجمال، والقاعدة عند أهل السنة والجماعة: أن كل لفظ مجمل حادث فإنه لا يطلق إثباتاً ولا نفياً من جهة لفظه، وأما من جهة معناه فإنه يستفصل فيه.
وبهذا يظهر أن الإجمال قد يكون أصلياً في اللفظ، وقد يكون دخله الإجمال من جهة الاستعمال، وإن كان من جهة الأصل ليس مجملاً، والاعتبار بحال اللفظ عند دخوله في هذا العلم أو في هذا الباب أو في هذا المقام، وليس باعتبار أصله اللغوي الذي قد يطلق على معنىً متعين.
ومن هنا: احتاج هذا القول إلى التفصيل؛ ولهذا أطلق من أطلق من المتأخرين أن مذهب السلف هو إجراء النصوص على ظاهرها، وأطلق بعضهم أن نصوص الصفات لا تجرى على ظاهرها، فهذا يقال بحسب المقصود من هذا اللفظ.
أما إذا قيل: إن مذهب السلف إجراء النصوص على ظاهرها، وهذا الاستعمال فسر بأن الظاهر هو الصفات اللائقة بالله ..
فهذا المقصد صحيح -أي: هذا المعنى صحيح- واللفظ من حيث هو في الجملة مناسب لا إشكال فيه.
لكن إذا قيل: إن مذهب السلف أن ظاهر النصوص ليس مراداً، فقيل: لم؟ فقيل: لأن ظاهر النصوص إثبات الصفات، ومذهب السلف أنه ليس في نفس الأمر صفة دلت عليها النصوص ..
قيل: هذا غلط لفظاً ومعنىً، فإن السلف يثبتون الصفات في نفس الأمر.
وأما من قال: إن ظاهر النصوص ليس مراداً عند السلف؛ لأن ظاهرها التشبيه، والسلف ليسوا مشبهة.
قيل له: أما أن السلف ليسو لمشبهة فهذا صحيح، وأما قوله: إن ظاهر النصوص التشبيه ..
فهذا غلط على النصوص، ولا يجوز أن يقال: إن ظاهر النصوص هو التشبيه؛ وتبعاً لذلك لا يجوز أن يقال: إن ظاهر النصوص ليس مراداً.
فهذا الإطلاق -وهو إطلاق السلب والنفي- لا يصح بحال، سواء فسر الظاهر بالتشبيه، فيكون المعنى صحيحاً واللفظ ليس صحيحاً، أو فسر الظاهر بإثبات الصفات فيكون الغلط من جهة اللفظ وجهة المعنى.