للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القائلون بنفي ظواهر نصوص الصفات]

[وأما القسمان اللذان ينفيان ظاهرها، أعني: الذين يقولون: ليس لها في الباطن مدلول، هو صفة الله تعالى قط].

هؤلاء هم الذين يقولون بنفي الصفات في نفس الأمر أو ينفون ما هو منها، ونفاة الصفات مطلقاً: هم الجهمية وأئمة المعتزلة، ونفاة ما هو من الصفات: هم جمهور متكلمة الصفاتية الذين ينفون الصفات الفعلية، وغلاتهم ينفون الصفات الخبرية.

[وأن الله لا صفات له ثبوتية، بل صفاته إما سلبية وإما إضافية وإما مركبة منهما].

هذه طريقة غلاة هذين القسمين، وهم نفاة الصفات في نفس الأمر، الذين يقولون: إنه ليس له صفة ثبوتية في نفس الأمر، بل صفاته إما سلبية -والسلب هو النفي- كقولهم: ليس متكلماً أو ليس سميعاً أو ليس بصيراً، أو تارة ينفون بعض الألفاظ المجملة بالتصريح على خلاف ما هو معروف عند السلف من عدم التصريح بنفي أو إثبات ..

وهلم جرا.

وإما إضافية الصفات الإضافية: كقول المتفلسفة مثلاً: إنه مبدأ الأشياء، وأنه علة الأشياء، فالقول في المبدأ والعلة يعد من الصفات الإضافية.

وإما مركبة منهما المركب منهما كقول المتفلسفة: إنه عاقل ومعقول وعقل.

[أو يثبتون بعض الصفات وهي الصفات السبعة].

أو يثبتون بعض الصفات هذا هو النوع الثاني في نفاة الصفات، وهم الذين يثبتون بعضها وينفون بعضها، وهم متكلمة الصفاتية كالكلابية والأشعرية والماتريدية وأمثالهم.

وهي الصفات السبعة.

أي: الصفات التي استقر عليها المتأخرون من الأشاعرة، وعليها الماتريدية في الجملة، وهي: الحياة والكلام والبصر والسمع والإرادة والعلم والقدرة.

[أو الثمانية].

وهي الصفات السبع المتقدمة، مع صفة البقاء كما هي طريقة طائفة من الأشعرية.

[أو الخمسة عشر].

كما ذكره الشهرستاني عن طائفة من متكلميهم، وهي الصفات الثمان، ثم يختلفون فيما يزيدون عليها.

وثمة غير ذلك كما هي طريقة الأشعري إمام المذهب، وأبي بكر بن الطيب الباقلاني الذين يثبتون الصفات الخبرية في الجملة.

[أو يثبتون الأحوال دون الصفات].

كما هي طريقة خلق من المعتزلة، وأخص من تكلم بها من المعتزلة هو أبو هاشم الجبائي، فإن أبا هاشم الجبائي كغيره من المعتزلة ينفي الصفات، ولكنه أثبت الأحوال.

فإن العلم -مثلاً- كصفة مختصة بالله يقال فيه: إن لله علماً هو صفة تليق به.

لكن المعتزلة تنفي هذه الصفة مع اتفاقها على أن الله عليم.

أي: أنهم يثبتون الاسم وحكم الصفة -أي: الحكم المتعلق بها وهو أن الله يعلم أحوال العالم- لكنهم ينفون الصفة من جهة قيامها بالذات.

فجاء أبو هاشم الجبائي وأثبت مع حكم الصفة، والاسم الحال -وهو العالمية-، فهو يجعلها حالاً وليست صفة.

وجمهور المعتزلة لا ثبت هذه الأحوال، إنما أثبتها أبو هاشم الجبائي ابن أبي علي الجبائي، وتبعه عليها خلق من المعتزلة، وطائفة من متكلمة الصفاتية من الأشعرية وغيرهم كـ القاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني ومن وافقه من متكلمة الأشعرية وبعض الفقهاء من أصحاب الأئمة الذين وافقوا القاضي أبا بكر على إثبات مسألة الأحوال تبعاً لـ أبي هاشم الجبائي.

لكن ينبه إلى أن بعض الفقهاء كـ أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي يثبت مسألة الأحوال، ولكن الأحوال التي يثبتها ابن عقيل ليست هي الأحوال التي أثبتها أبو هاشم والباقلاني وأمثالهما من المتكلمة، وإن كان ابن عقيل أيضاً يسميها الأحوال أو الإضافات.

[ويقرون من الصفات الخبرية بما في القرآن دون الحديث].

الصفات الخبرية كالوجه واليدين وأمثالها.

[على ما قد عرف من مذهب المتكلمين.

فهؤلاء قسمان:].

موقف قدماء متكلمة الصفاتية من الصفات الخبرية فيه تفصيل، فهم من حيث الجملة -كـ ابن كلاب والأشعري والباقلاني وابن فورك -يثبتون ما هو من الصفات الخبرية، لكن بعضهم خير من بعض في هذا: فمنهم من يثبت الصفات الخبرية القرآنية دون النبوية، ومنهم من يثبت القرآنية وما هو من النبوية ..

وهلم جرا.

[قسم يتأولونها ويعينون المراد، مثل قولهم: استوى بمعنى استولى، أو بمعنى: علو المكانة والقدر، أو بمعنى: انتهاء الخلق إليه

إلى غير ذلك من معاني المتكلمين.].

فيجمعون بين نفي الصفة وبين تأويل النص، أي: أنهم يجمعون بين نفي الصفة في نفس الأمر وبين تأويل النص الذي ورد في إثباتها ..

وهذا هو أصله مذهب الجهمية والمعتزلة.

[وقسم يقولون: الله أعلم بما أراد بها، لكنا نعلم أنه لم يرد إثبات صفة خارجة عما علمناه].

وهذا القسم يقع في كلام متكلمة الصفاتية من أصحاب أبي الحسن وأمثالهم، الذين لا يعينون التأويل وإن كانوا يجزمون بانتفاء الصفة في نفس الأمر، والمقصود بالصفة هنا: الصفة التي ينفونها؛ لأنه تقدم أنهم يثبتون شيئاً من الصفات وينفون شيئاً آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>