للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[قول الإمام أبي حنيفة في الإيمان]

هناك قدر محفوظ مما يتعلق بالعقائد عن أبي حنيفة، وهو مشتهر بين أهل العلم، وهو قوله رحمه الله في مسألة الإيمان، فإن المشهور عن أبي حنيفة أنه يقول بقول حماد بن أبي سليمان في مسمى الإيمان، فيجعل الأعمال الظاهرة ليست داخلةً في مسمى الإيمان.

وهذا القول يذكره الأحناف في كتبهم، وكذلك يذكره غيرهم من الطوائف، سواء الفقهية أو الكلامية، والأظهر أنه متحقق عنه، وإن كان بعض أعيان المتكلمين -كـ البغدادي وغيره- يشيرون تارةً إلى التردد في ثبوت هذا عن أبي حنيفة، لكن الأظهر أن هذا معروف عنه.

فإن إثبات هذا الأمر عنه عليه جمهور أهل المقالات والمتكلمين والفقهاء من الحنفية وغيرهم، وإن لم يكن هذا الإثبات عن تصنيف معروف لـ أبي حنيفة وإنما بالنقل عنه، وهذا ليس غريباً؛ لأن حماد بن أبي سليمان هو الذي قرر هذه المقالة في مسألة الإيمان.

وبعض أهل العلم ينزع إلى أن حماد بن أبي سليمان يميل إلى هذه المقالة في الرد على مقالات الوعيدية، وبخاصة مقالات الخوارج والمعتزلة، فكان من باب الرد على الوعيدية أن قرر هذه المقالة، وهذا ليس غريباً؛ لأن كثيراً من مقالات الإرجاء وقعت رداً على طوائف الخوارج والمعتزلة ومن وافقهم من الوعيدية.

فهؤلاء يقولون: إن الإيمان قول واعتقاد.

أو يقولون: إن الإيمان يكون بالقول والقلب.

ولا يجعلون أعمال الجوارح داخلة في مسمى الإيمان وإن كانوا يوجبونها، حتى إن حماد بن أبي سليمان وأبا حنيفة ومن وافقهم -في الجملة- في مسألة الأحكام -أي: حكم مرتكب الكبيرة في الآخرة- على مذهب جمهور أهل السنة.

والتحقيق في شأن حماد بن أبي سليمان هو أنه من علماء السنة والجماعة، ولا يصح أن يضاف إلى البدع المطلقة، وإن كان قوله بدعة، لكنه إذا ذكر يضاف إلى أهل السنة والجماعة من حيث الإطلاق.

وهذا القول هو -باعتبار ما تقدم في كلام أهل العلم- هو أخف المقالات التي نسبت للمرجئة، وهو ما يعرف بمقالة مرجئة الفقهاء، وهؤلاء يتفقون مع جمهور السلف في الحكم وإن كانوا يقولون: العمل لا يدخل في مسمى الإيمان، ولا يقرون بأن الإيمان يتفاضل، بل الإيمان عندهم واحد، حتى إن الطحاوي رحمه الله مع تحقيقه ذكر هذا فقال: والإيمان واحد، وأهله في أصله سواء.

ويجعلون التفاضل بالبر والتقوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>