[ثم إذا كان قد وقع ذلك منه فمن المحال أن يكون خيرُ أمته وأفضل قرونها قصَّروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه].
ينتقل المصنف الآن إلى بيان أن البيان النبوي تلقاه أصحابه رضي الله عنهم، والصحابة رضي الله عنهم بلغوه للتابعين، ويمتنع أن يكون الصحابة لم يبلغوه للتابعين؛ لأن عدم بلاغ الصحابة للتابعين إما أن يكون سببه أن الصحابة لم يفقهوا بيان النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا ممتنع؛ فإنهم إذا لم يفقهوا أصول الديانة فمن باب أولى أن يقع غلطهم في غير ذلك.
وإما أن يكون سبب عدم بلاغ الصحابة للتابعين: أنهم قصدوا كتم الحق عنهم، وبما أن النظر العقلي لا يخرج عن هذين الاحتمالين، وكلاهما يعلم بطلانه وامتناعه، فتتحقق النتيجة: أن الصحابة بلغوا القول الحق والفصل والصواب في الأسماء والصفات إلى التابعين.
وعند مرحلة التابعين يقف الإسناد، أي: يقف المقصود من التقرير؛ لأنه في زمن التابعين ظهر الجعد بن درهم وظهرت مقالة نفي الصفات، وعلم بإجماع الناس -لم يخالف في هذا أحد- أن أئمة التابعين ردوا على هؤلاء المخالفين، فهنا تظهر النتيجة، وهي أن الحق مع التابعين؛ لأنهم تلقوا عن الصحابة والصحابة تلقوا عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، ويعلم أن هذا المذهب الطارئ - الذي هو مذهب الجعد بن درهم - باعتبار مخالفته لمذهب التابعين غلط محض، وإن كان يعلم غلطه من هذا الوجه وغيره.
ولهذا من أوجه الاستدلال الفاضلة عند السلف: أن كل بدعة يعلم غلطها بدلالة الإجماع المتقدم.
وقد كان الإمام مالك رحمه الله من أكثر الأئمة سلوكاً لهذا المسلك.
وبهذا يعلم أن معرفة الحق شيء وطريقة رد البدعة المخالفة للحق في أصول الديانة شيء آخر.
فهنا طريق مطرد، يعني يمكن أن يستعمل في جميع الموارد والمسائل: وهو أن كل ما خالف مذهب السلف المجمع عليه يعلم غلطه لكونه مخالفاً للإجماع المتقدم.