الغرض الأول: أنها مسألة مختصة في هذا الباب ينبني على ثبوتها ثبوت جملة من الصفات، وقد بنى المخالفون فيها نفي كثير من الصفات على نفيها، كنفي المعتزلة للرؤية بدليل المقابلة الذي حقيقته نفي العلو، فإن الرؤية إنما انتفت عند المعتزلة لأنها تستلزم ثبوت العلو الذي يسمونه الجهة؛ ولهذا صار في هذه المسألة اختصاص عند سائر الطوائف.
الغرض الثاني: أن مقصود المصنف في هذه الرسالة الحموية هو نقض مذهب متأخري الأشاعرة -كطبقة أبي المعالي ومن بعده، ومحمد بن عمر الرازي وأمثاله- الذين من أخص مسائلهم نفي العلو.
وقد زعم بعض أئمتهم -كـ الرازي - أن إثبات الجهة -الذي هو إثبات العلو وإن كان لفظ الجهة لفظاًَ لم يرد في الكتاب والسنة- مختص بالحنابلة والكرامية، مع أن الحق في نفس الأمر: أن أئمة الأشاعرة كـ أبي الحسن الأشعري والقاضي أبي بكر بن الطيب الباقلاني وأمثالهما، فضلاً عن أئمة الكلابية كـ عبد الله بن كلاب وأبي العباس القلانسي وأبي علي الثقفي وأبي عبد الله بن مجاهد، فضلاً عن سائر أئمة السنة والحديث يثبتون علو الله سبحانه وتعالى على ما هو مقرر في كتب السنة والجماعة، وقد صرح الأشعري في الإبانة والرسالة إلى أهل الثغر بمسألة العلو، وكذلك ابن كلاب -والأشاعرة يعدونه من شيوخهم، وإن كان متقدماً على أبي الحسن الأشعري - صرح في كتاب الصفات بإثبات العلو والفوقية، واستدل لذلك بالكتاب والسنة والعقل، وهو معتبر في مذهب الأشاعرة -أعني ابن كلاب - ولهذا يقول عنه البغدادي كثيراً: وقال شيخنا عبد الله بن سعيد بن قطان -وأحياناً يقول: ابن كلاب - كما يقول عن أبي الحسن الأشعري: وقال شيخنا.
وقال أبو محمد بن حزم عن ابن كلاب: وهو شيخ قديم للأشعرية.