[قول أبي الحسن الأشعري في كتابه اختلاف المصلين]
[وقال أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري المتكلم، صاحب الطريقة المنسوبة إليه في الكلام في كتابه الذي صنفه اختلاف المصلين ومقالات الإسلاميين.
وذكر فرق الروافض والخوارج والمرجئة والمعتزلة وغيرهم.
ثم قال: مقالة أهل السنة وأصحاب الحديث، جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة: الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وبما جاء عن الله تعالى; وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردون شيئا من ذلك وأن الله واحد أحد فرد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولدا وأن محمدا عبده ورسوله وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور وأن الله على عرشه كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] وأن له يدين بلا كيف كما قال: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥] وكما قال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة:٦٤] وأن له عينين بلا كيف كما قال {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:١٤] وأن له وجها كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٧] وأن أسماء الله تعالى لا يقال: إنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج.
وأقروا أن لله علماً كما قال: {أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء:١٦٦] وكما قال: {وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ} [فاطر:١١] وأثبتوا له السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة وأثبتوا لله القوة كما قال:
{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت:١٥] وذكر مذهبهم في القدر، إلى أن قال: ويقولون: إن القرآن كلام الله غير مخلوق والكلام في اللفظ والوقف من قال باللفظ وبالوقف فهو مبتدع عندهم لا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق ولا يقال غير مخلوق ويقرون أن الله يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون; لأنهم عن الله محجوبون قال عز وجل: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:١٥] وذكر قولهم في الإسلام والإيمان والحوض والشفاعة وأشياء.
إلى أن قال: ويقرون بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ولا يقولون مخلوق ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار.
إلى أن قال: وينكرون الجدل والمراء في الدين والخصومة والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم ويسلمون الروايات الصحيحة كما جاءت به الآثار الصحيحة التي جاءت بها الثقات عدل عن عدل حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم; لا يقولون: كيف ولا لم؛ لأن ذلك بدعة عندهم.
إلى أن قال: ويقرون أن الله يجيء يوم القيامة كما قال تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:٢٢] وأن الله يقرب من خلقه كيف شاء; كما قال: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} [ق:١٦] إلى أن قال: ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار والنظر في الآثار; والنظر في الفقه مع الاستكانة والتواضع; وحسن الخلق مع بذل المعروف; وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة والشكاية وتفقد المآكل والمشارب.
قال: فهذه جملة ما يأمرون به ويستسلمون إليه ويرونه وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب; وما توفيقنا إلا بالله وهو المستعان.
وقال الأشعري أيضاً في اختلاف أهل القبلة في العرش فقال:
قال أهل السنة وأصحاب الحديث: إن الله ليس بجسم; ولا يشبه الأشياء وإنه استوى على العرش; كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] ولا نتقدم بين يدي الله في القول; بل نقول استوى بلا كيف وإن له وجها كما قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٧] وأن له يدين كما قال {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص:٧٥] وأن له عينين كما قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:١٤] وأنه يجيء يوم القيامة هو وملائكته كما قال: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:٢٢] وأنه ينزل إلى سماء الدنيا كما جاء في الحديث ولم يقولوا شيئا إلا ما وجدوه في الكتاب أو جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقالت المعتزلة: إن الله استوى على العرش بمعنى استولى وذكر مقالات أخرى.].
هذه الجملة يحصل بها المصنف مقاصد كثيرة، وخاصة مع من يرد عليهم من الأشاعرة، منها: أن الأشعري امتدح مقالة أهل السنة امتداحاً محضاً؛ فإذا كان كذلك فكل ما ثبت أنه للسلف ولأهل السنة المتقدمين فإنه يجب أن يصار إليه حتى من قبل الأشاعرة من أصحابه؛ لأن إمامهم صرح بالتزام مذهب السلف، وإذا كان هو خفي عليه بعض المقاصد والألفاظ والأحرف والمسائل في مذهب السلف؛ فإن من بان له ذلك بعده لا يجوز له أن يخالف، حتى على طريقة ومذهب أبي الحسن الأشعري.
وفي كلام أبي الحسن بعض المسائل التي صرح الأشعرية المتأخرون بخلافها، فهم مخالفون للسلف ومخالفون من وجه آخر لـ أبي الحسن نفسه، وبخاصة في مسألة الصفات الخبرية: فقد قرر الأشعري في كتبه ثبوت الصفات الخبرية في الجملة لكن لما جاء أبو المعالي الجويني -وإن كان البغدادي يشير إلى شيء من هذا- نفى كثيراً من ذلك، ومن بعده أصبح الأشاعرة من نفاة الصفات الخبرية.