ثم إن في أقوال أصناف المخالفين قدراً معروفاً من التناقض والاختلاف والاضطراب في هذا الباب، وإذا نظرت في أقرب هؤلاء الطوائف إلى قول أهل السنة والحديث -وهم أئمة الأشعرية كـ أبي الحسن الأشعري - وجدت في كلامهم من مخالفة الكتاب والسنة في كثير من الموارد ما هو متحقق بالجزم، فإذا كان ذلك كذلك فمن باب أولى ما يقع في كلام متأخريهم، فضلاً عن المعتزلة، فضلاً عن المتفلسفة.
هذا محصل هذا المقصد، وقد حصل المصنف به هذه المقدمة الضرورية التي دائماً تحقَّق: أن الأقوال معتبرة بهذه الأصول الثلاثة، وأن المخالفين في موقع المخالفة لا يكون قولهم مبنياً على الكتاب والسنة ولا الإجماع.
وعِلْم سائر الطوائف بأنها مفارقة للسلف أمر مستقر في الجملة، حتى إن المتأخرين من الأشاعرة صرحوا أن مذهب السلف ليس هو مذهب التأويل، وهذا التفصيل من حيث هو يدل على أن ثمة فرقاً بين ما كان عليه السلف وما كانوا عليه، وإن لم يصيبوا في تعيين مذهب السلف حيث قالوا: إنه التفويض.